رئيس التحرير
عصام كامل

الوزير البرمجي

انعقد مجلس الوزراء إذن بحضور الروبوت عشرين تلاتاشر، وفوجي الوزراء كلهم بأن رئيس الحكومة لم يخطرهم سلفا بوزير جديد، وظن كل وزير أنه سيطاح به، غير أن الروبوت نهض في وضع ميكانيكي سريع وانحنى للجميع وقال في لهجة ودودة مطمئنة إنه مكلف بتأمين مناصبهم، وأنه خادم الجميع المطيع فسكنت ملامحهم ظاهريا. 

 

لكن القلق استبد بالصدور، عدا رئيس الحكومة الذي أعجبه المدخل السيكولوجي الذكي الذي استخدمه إنسان آلى هو بطبيعته شبكة أعصاب وأسلاك وبرمجة ذكية، لكن لفت نظر وزير الداخلية قدرة الروبوت على تلوين طبقات صوته، ما بين الهمس الودود، والارتفاع الحاسم، ثم قدرته على مط صدغيه المعدنيين ليكشف عن ابتسامة أضحكتهم.


تعلقت الوجوه كلها إذن بوجه رئيس الحكومة، يوضح دورهم ودور الوزير الآلي، غير أن الأخير أخذ الكلمة بأدب من رئيس الوزراء، وقال:
- ما جئت لأخذ منصب أحد، بل جئت بتكليف من قيادة أعلى، تريد مساعدتكم لإرضاء الناس الذين جعلتم الحزن ضيفا مقيما في بيوتهم بسبب فشلكم المتواصل في إيجاد حلول.

الوزير الآلي


لم يتمكن الروبوت من استكمال كلماته؛ فقد علت همهمات ثم إشارات احتجاج باليد، ثم حك أقدام بأرض القاعة، ثم نهوض نصفي، لكن وجه الإنسان الآلي ووجه الإنسان رئيس الحكومة صارا نسخة طبق الأصل: جمود موشى بابتسامة ثقة!


عاد المحتجون إلى مقاعدهم والتزموا الهدوء، بينما عاد الروبوت يسأل:
- لو كنتم ناجحين ما جاءوا بي إليكم، ولكان الشعب سعيدا أليس كذلك؟
فعاجله وزير الداخلية: خلاص يا فالح عارفين إنك أنت العبقرى حلال المشاكل، الذي سيجلب السعادة للناس، قل لنا ما هي خطتك؟


رد الآلي: معذور حقيقي يا وزير الداخلية فأنت من يتحمل فشل معظم هؤلاء، وعندما تقع المصيبة يضعونها على دماغك.. عموما لدي خطط كثيرة سأكشف عنها في الوقت المناسب.


كان وزير الثقافة يتململ في مقعده ثم علا صوته معترضا: بالمشهد المؤسف الذي نراه أمامنا حاليا هل بوسعنا القول إن رئيس الحكومة تنحى عن منصبه طوعا لهذا المخلوق البرمجي؟! وهل تقبل على نفسك هذا الموقف؟ أنا شخصيا لا أقبله وأقدم استقالتي الآن وفورا.


رد رئيس الحكومة: استقالة؟ وهل كنت موجودا أصلا؟

غضب الوزير:  لو فتحنا باب الكلام فيمن هو موجود وفاعل، لانتحينا كلنا جانبا نعلق فشلنا!
بآلية وثبات جاء صوت الوزير الآلي: أشعر بأنكم غاضبون لوجودي بينكم رغم أنى..
علا صوت وزير المالية: أنت من وما وظيفتك، ومن فرضك على المجلس؟


نظر الآلي إلى وزير المالية وقال: أنا مكلف ممن كلف رئيس الحكومة.. يعني أنا وزير مثلي مثلكم، وبوسعي أن أجعلكم ناجحين بفضل ذكائي ونقص ذكائكم، أو تواصلون الفشل في إسعاد الناس، وأنتم تعلمون تبعات غضبهم لو غضبوا.. وعموما أشكر معاليكم على الحفاوة وحسن الاستقبال.. توقعت التهنئة وبعض الزهور!


وتدخل رئيس الحكومة ملتفتا نحوه بسعة وقال: زهور؟ أهذا وقته أو مكانه يا عم الرومانسي؟
ثم عاد بوجهه إلى مجلس الوزراء يهدئ روعهم: يا سادة يا وزراء البلد إني أعجب للغيرة من ماكينة، شوية أسلاك وسوفت وير وكسوة جلد معدني.. كبروا دماغكم واهتدوا بالله.. امنحوه فرصة فأنتم تعلمون أبعاد القرار..


فقاطعه الوزير الألي: اعترض يا سيدي رئيس الحكومة من اللهجة والمحتوى الخارجين من جوفك.
علت الهمهمات تقاطعت معها ضحكات ساخرة، وسادت الفوضى الأجواء، لكن صوت الروبوت علا صارما: أحتج! أنا لست بضعة أسلاك وكسوة من جلد معدني وبرمجة، أنا كيان أفهم واستوعب، أحس وأشعر، فأرجوكم تقبلوني حتى لا تتحرك بداخلي نوازع كامنة في برمجتي العميقة!


اتسعت العيون عجبا وقلقا، وقال وزير الداخلية: انظروا.. إنه يهددنا يا فندم.. يهددنا يا وزراء البلد.. بيننا الآن بلطجي برمجي.. 

وقف وزير العدل الذي كان يتابع ولا يقاطع، وقال في لهجة تصالحية: كل واحد منا له نوبة غضب، ومن حق الوزير البرمجي الطارئ علينا أن نتعامل معه وفق مشاعره الرقيقة.

 


لكن وزير الداخلية احتج وقال: أقسم بالله سأفككه قطع غيار إن لم يلتزم أدب الحوار.
هب الوزير الآلي وسحب مقعده إلى الخلف وغادر موقفه في ثبات وصرامة، متجها نحو وزير الداخلية، وتعلقت كل العيون بهما.. وقد وقف الوزير الآدمى مواجها للوزير الآلي..
ونتابع..

الجريدة الرسمية