رئيس التحرير
عصام كامل

جرائم آخر الزمان!

تغيرات حادة ضربت المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، تصاعدت موجات الانفلات واهتزت القيم وتراجعت منظومة الأخلاق حتى أصبحنا نسمع ونرى جرائم عنف تتجرد من كل مشاعر الإنسانية، ولعل ما شهدناه منذ شهور من جرائم قتل على غرار الطريقة الداعشية حيث الذبح وفصل الرأس أو محاولة فصلها كما حدث في حادث الإسماعيلية وحادث فتاة جامعة المنصورة وقتل طبيب لزميله من أجل المال.. خير دليل على أن تطرفًا كبيرًا ضرب الضمير والأخلاق في مقتل. 


ما يؤلم حقًا هو جرائم القتل العائلي التي باتت تشكل نسبة كبيرة ومطردة من مجموع الجرائم،  تتراوح بين الثلث والربع.. ولا عجب والحال هكذا أن تتقدم مصر في تصنيف نامبيو للجريمة لتصبح الثالثة عربيًا، والرابعة والعشرين عالميًا.. 

 

وحين تطالع الصحف أو مواقع التواصل الاجتماعي تجد تغيرات سلوكية حادة أصابت الشخصية المصرية، أهمها اللامبالاة وبلادة الإحساس، فالقتل يتم بدم بارد؛ فهذه أم تتخلص من أبنائها أو زوجها وذلك أب هان عليه فلذات كبده فأزهق أرواحهم دون أن يدري أنه يرتكب أكبرالكبائر؛ فلا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا.

المخدرات والبلطجة والروابط الأسرية


العنف الأسري أشد فتكًا بالمجتمع من الحروب والأوبئة؛ ذلك أنه ينخر في عظام المجتمع، ويشير إلى ترهل في بنية القيم، وزعزعة الأخلاق وثوابت الدين، ويؤشر إلى غياب الشعور بالأمن والتراحم والتعاطف وهي أمور حالقة للدين.

 
ورغم أن الخلافات الأسرية، والدفاع عن الشرف، والمواريث، والضائقة المالية كانت أبرز أسباب جرائم العنف الأسرى، لكنها في رأيي دوافع ظاهرية تنطوي على جهل عميق بجوهر الدين وغياب الوعي الرشيد..

 

كما أثبتت الدراسات والأبحاث العلمية أن ثمة دوافع لا شعورية تقود الفرد لارتكاب جريمة القتل في محيط الأسرة وهي دوافع تتشكل عبر التنشئة الإجتماعية الخاطئة وهي نتاج القسوة، والعقاب بالإيذاء، والتفكك الأسري وانتشار الطلاق الذي بات ظاهرة مدمرة.


ولا يخفى أن هناك علاقة ما بين تردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة معدلات الجريمة وحالة القلق الذي قد يقود لارتكاب جريمة القتل على وجه الخصوص. وثمة دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تشير إلى أن 70 % من جرائم القتل العائلي سببها الدفاع عن الشرف، والبيئة المحيطة والثقافة المحبذة للعنف، والمخدرات وما أدراك ما المخدرات التي انتشرت بصورة مخيفة.

 
مواجهة جرائم القتل العائلي باتت فريضة لاستعادة السلم المجتمعي؛ وهو ما يقتضي عودة الأسرة والمدرسة لدورهما التربوي ومراعاة البعد الاجتماعي في الإصلاح الاقتصادي لتخفيف الأعباء عن الفئات الضعيفة والمهمشة، وإيجاد حلول مجتمعية للفقر والبطالة وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية..  

 

ناهيك عن ضروروة تنفيذ برامج توعوية لتوضيح مخاطر المخدرات وانعكاساتها على الصحة العامة للفرد والصحة النفسية والعقلية، وتكثيف الأعمال الدرامية التي تدعم الروابط الأسرية والبعد عن الأعمال التي تمجد العنف والبلطجة وما أكثرها في الفترة الأخيرة.

 

ويكفينا ما جلبته حروب الجيل الرابع والخامس من خلخلة لمنظومة القيم وتفكيكها، وإعادة تركيبها بما يخدم النماذج الرأسمالية المشوهة التي تتعارض مع الدين والثوابت وتشجيع الشذوذ وهدم الأسرة لضرب مجتمعاتنا من الداخل.. وظني أن الدولة تدرك خطورة ذلك وتسعى لنشر الوعي وتشديد العقوبات وليت الحوار الوطني يدرج هذه القضية على جدول اعماله ليخرج بتوصيات ناجحة تأخذ طريقها للتنفيذ.

الجريدة الرسمية