مكرم محمد أحمد كما عرفته!
في مثل هذه الأيام قبل نحو 88 عامًا، وتحديدًا في 25 يونيو 1935 ولد الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين الأسبق لعدة دورات ورئيس مجلس إدارة دار الهلال وعضوًا بمجلس الشورى 4 دورات متتالية، وأول رئيس للمجلس الأعلى للإعلام في مصر..
نجح الكاتب الصحفي الكبير مكرم محمد أحمد من خلاله في وضع ضوابط عديدة للمشهد الصحفي والإعلامي أسهمت في صونه من حالة الفوضى والانفلات دون المساس بحرية الرأي والتعبير وكانت له مقولة مشهورة مفادها أن تراجع الصحافة في الآونة الأخيرة كان نتيجة عزوف القراء عنها؛ بعد أن تخلت هي عن همومهم وقضاياهم ومشاكلهم ومتاعبهم.
ولأن مكرم محمد أحمد كان مفعمًا بحب الصحافة فقد كان يحمل دائمًا في جيبه مفكرة أو دفترًا ورقيًا صغيرًا لتدوين أي خبر أو فكرة تتدفق إلى ذهنه تصلح أساسًا لمقال صحفي أو تحقيق أو تحليل وهذا درس للأجيال الجديدة ليعلموا أن الصحفي الحق فكر متوقد وشعلة نشاط لا تهدأ.
عرفت كاتبنا الكبير مكرم محمد أحمد عن كثب، وزاملته في مجلس نقابة الصحفيين، حيث كنت أمينها العام أو ما يطلق عليه السكرتير العام، وظهرت لي جوانب إنسانية ثرية في شخصيته؛ فالراحل الكبير فوق أنه كان قامة صحفية مشهودًا لها بالكفاءة والجدارة وكاتبًا بارعًا صاحب قلم حر ورؤية تحليلية معمقة لاسيما في السياسة والاجتماع، وقد كان عموده اليومي في الأهرام "نقطة ضوء" نافذة يطل منها بافكاره واجتهاداته على قرائه حتى غيبه الموت..
كان الكاتب الراحل مكرم محمد أحمد واضحًا ذا وجه واحد لا يعرف التلون ولا الأكل على كل الموائد؛ إنسانًا عف اللسان لا تشغله الخلافات ولا العداوات الشخصية والمعارك الجانبية عن أهدافه الكبرى..
وأذكر مرة وكان هو نقيبًا للصحفيين وكنت أمينًا عامًا للنقابة وذهبت إليه بصحبة زميلي الخلوق محمد عبدالقدوس وكيل النقابة يومها نشكو له سوء أدب أحد الزملاء الذي كان مدفوعًا من آخرين للهجوم علينا بأقذع الألفاظ وأحطها، وطلبنا منه التضامن معنا في بلاغ كنا ننتوى تقديمه للنائب العام ضد هذا الزميل، لكنه رفض قائلًا "اللي يشتم يشتم وليقل ما يشاء" رافضًا جرجرة أي صحفي للنيابة.
كان مكرم محمد أحمد صريحًا لا يجامل في الحق ولا يخضع للابتزاز ولا يستجيب للوشاية.. ولا أنسى يوم ذهب إليه عضو بمجلس النقابة أيامها بمكتبه في دار الهلال، طالبًا منه تغيير هيئة المكتب لتعيينه هو في منصب السكرتير بدلا مني لكنه رفض ثم واجه هذا الزميل في أول اجتماع وفضح سوء نواياه أمام الجميع.
مكرم محمد أحمد كان نقابيًا مرموقًا حظي بإجماع الجماعة الصحفية رغم ما عرف عنه من مساندة الدولة والدفاع عنها، كان نقابيًا بدرجة مقاتل لا يهادن ولا يفرط في حقوق الصحفي ولا كرامته ولا يساوم على حرية القلم والرأي والتعبير بل كان من أشد المدافعين عن الحريات وعن المحبوسين في قضايا الرأي أيًا ما كانت توجهاتهم ومشاربهم.
لكاتبنا الكبير مكرم محمد أحمد إسهامات فكرية وثقافية وبصمات ومعارك صحفية تاريخية سطرها بضميره الصحفي على مدى 60 عامًا هى عمر مشواره الصحفي الذي تبنى خلالها بإخلاص قضايا وطنه وأمته ودافع عنها بجرأة وصراحة ربما جرت عليه المتاعب أحيانًا.. لكنه أثري بفكره الحياة العامة والثقافية حتى بات من أهم الصحفيين والكتاب العرب في عصره ولهذا فهو يستحق أرفع الجوائز والتكريمات..
وكنت أرجو لو رشحته النقابة لإحدى جوائز الدولة التي يستحقها عن جدارة كواحد من أبرز الوجوه النقابية للصحفيين الذي لم يتوان عن الانتصار للمهنة وقيمها والدفاع عنها مهما كلفه ذلك ولا ننسى موقفه في مواجهة القانون المشبوه 93 الذي عرف بقانون اغتيال الصحافة الذي أسقطته الجماعة الصحفية بعزم لا يلين وإصرار وإجماع نادر.. رحم الله الزميل الكبير مكرم محمد أحمد الذي أصبح عملة نادرة قلّ أن يجود الزمان بمثله.