لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
لاشك أن أسعد الناس وأحبهم إلى الله تعالى وأكرمهم عليه سبحانه أهل ولايته وهم أهل الإيمان والتقوى. وهم الذين ارتقوا باستقامتهم من إيمان الاعتقاد إلى إيمان الشهود. يقول تعالى "إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ (30) نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَشۡتَهِيٓ أَنفُسُكُمۡ وَلَكُمۡ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ"..
وهم الذين حققوا العبودية لله تعالى وتحققوا بها. عبدوه عز وجل بخالص من السر فشرفهم سبحانه بخالص من الشكر وهم الذين تمر صحائف أعمالهم على الملائكة فرغا حتى إذا ما وصلت إلى مليكهم عز وجل ملأها سبحانه من سر ما أسروه إليه. وهم الذين لا يتطلعون إلى الأجر والثواب ولا إلى الجنة والتنعيم ولا يعبدون الله خوفا من النار والعذاب وإنما عبدوه تعالى حبا لذاته سبحانه.
ولقد شرفهم الله تعالى بأعظم شرف بأن نسبهم إليه سبحانه حيث قال " أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ". وحفظهم وأمنهم فقال "لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" ووصفهم وعرفهم فقال "الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" ثم زف إليهم البشرى في الدنيا بما خصهم به من الفضل والكرامات وبما أكرمهم به من النظر إليهم بعين العناية الإلهية ومنحهم أنوار الهداية.
وهم الذين خصهم بالرؤى الصالحة التي يرونها أو التي ترى لهم. وبتيسير أمور العباد وقضاء حوائجهم على أيديهم. وبما خصهم به من العلوم الدينية والمعارف الربانية والأسرار.. وبما وضعه من محبة لهم في قلوب الخلق والقبول في الأرض..
العطاء الإلهي
وبما خصهم به من الكرامات وعلى رأسها الاستقامة فهي عين الكرامة، وجعل لهم حظا طيبا برؤية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وعباد الله الصالحين من الانبياء وعباد الله الصالحين، ومنهم من يلقى العبد الصالح صاحب العلم اللدني سيدنا الخضر عليه السلام.
هذا بالإضافة إلى البركة والستر الذي يقيمهم الله تعالى فيه. وغير ذلك الكثير والكثير من الفضل الإلهي الدائم الذي لا ينقطع. هذا في الدنيا أما في الآخرة فهم السادة والملوك.. يجلسهم عز وجل على منابر من النور ويتجلى عليهم بالمشاهدة والخطاب ويسكنهم الأعالي من الجنان في جنة الفردوس..
وقد أشار عز وجل إلى ذلك بقوله تعالى "لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ" ثم أكد سبحانه تعالى دوام فضله وعطاءه لهم فقال "لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ". هذا وباب الفضل والعطاء الإلهي مفتوح ولا حكر على أحد من العباد لقوله تعالى "كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا".
فما على العبد إلا أن يستقيم على منهج الله تعالى وهدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وعليه بمجاهدة النفس ومخالفة هواها وكسر شهواتها وتطهير قلبه من العلائق والأغيار وطرح حب الدنيا والانشغال بذكر الله عز وجل والاجتهاد في أعمال البر والمعروف وكل ما يقرب إلى الله تعالى مع تحرى المطعم فلا يأكل إلا من حلال ويعين على ذلك مصاحبة الصالحين وعدم الانشغال بالخلق ولا بأحوالهم. مع قلة الطعام والكلام والمنام. والاجتهاد في عبادات النوافل حتى يرتقي إلى محبة الله تعالى له.
وفي الحديث القدسي الجامع لسلوك طريق الله جل جلاله والوصول إلى محبة الله تعالى وقربه يقول رسول الله عن رب العزة "من عادى لي وليا فقد أذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه. ومازال يتقرب إلي عبدي بالنوافل حتى أحبه فإن أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجليه التي يمشي عليها ولإن سألني لأعطينه وإن استعاذ بي لأعيذنه".