يناير ويونيو ويوليو
الشهور بالنسبة للأفراد تواريخ ميلاد، نحتفل بعودتها مع اليوم الذي ولدنا فيه، والشهور بالنسبة للأمم تواريخ ميلاد أو نكبات! فمثلا مثلا هنالك نكبة يناير، وفي الدستور هي ثورة، ونحترم رأى الدستور الذي يحترم حرية رأينا في نصوصه، لكن الدستور لم يذكر الرقم المرعب الذي ذكره الرئيس السيسي من أن أحداث يناير 2011 كلفت مصر 450 مليار دولار!
بعبارة مباشرة خسرنا نصف تريليون دولار من أجل هدف رفعوه في الشوارع والميادين وهو الاصلاح والتغيير والحرية والكرامة والعدالة والخبز، وكلها أهداف وشعارات رائعة لا تقل عن أهداف الثورة الفرنسية وشعاراتها والمقصلة التي هوت على أعناق الملايين معها!
والحقيقة أننا حاليا في شهر يونيو، وما أدراك ما شهر يونيو، جاء به شهر يوليو، متباهيا بحسابات قوة خاطئة وبقرار سياسي عاطفي جياش، ووعود من قيادة أفلست علميا وعمليا وعملياتيا وقتها!
واحتلت اسرائيل في بضع ساعات أراضي ثلاث دول عربية، حررنا أرضنا في أكتوبر، ولا تزال سوريا والقدس والضفة رهائن القوة الاسرائيلية الغاشمة. في الخامس من يونيو وقعت الهزيمة وللتخفيف سماها فيلسوف التخفيف والتهويل حسب الطلب والظروف، سماها النكسة، ولانزال نعاني من تداعياتها مصريين وعربا حتى الآن.
حاول الرئيس الراحل أنور السادات مسح الحزن المرتبط سنويا بعودة شهر يونيو، فأعاد بعد انتصارنا في شهر أكتوبر، افتتاح قناة السويس للملاحة بعد تطهير المجرى الملاحي، وكان ذلك في الخامس من يونيو، وسط فرحة وزفة مراكب وقوارب وسفن. لكن بقيت القلوب حزينة والمرارة في الحلوق.
ثم جاء يناير2011 بمحمد مرسي مندوبا للمرشد في القصر الجمهوري، وكان ذلك أيضا في 24 يونيو. من أربعة وعشرين يونيو 2012 حتى ثلاثين يونيو 2013، سنة وستة أيام عشنا أسرى عصابة ارهابية فاشية تحكم باسم الله وهي ضالة فاسقة وعميلة للغرب الذي تصنفه في عقيدتها الداخلية كافرا!
في خط مواز كان الشعب يرفض التدجين وكان يؤلمنا، ويفجر الغضب في صدورنا أن كتبوا أن مصر ولاية وولية! وانهم باقون لخمسة قرون تيمنا بقرون عاشتها الخلافة العثمانية.
في شهر يونيو أطاح الشعب بالأماني الحمقاء. خرجنا بالملايين، ثلاثون مليونا في الثلاثين من يونيو لاسترداد وجهنا الحقيقي، المتحضر، الهوية، الكينونة، إذ استجاب الجيش لمطالب الشعب، وأزيح الكابوس، وأطيح بالرئيس الجاسوس!
عند تأمل دورة الشهور في تاريخنا المصرى، سنرى انقلابا في الدورة، فقد جاءت يوليو بهزيمة يونيو 1967، لكن 30 يونيو جاءت بالثالث من يوليو العظيم2015، حين أعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع وقتها وقف العمل بالدستور مؤقتا وتولى حكم البلاد رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. وغيرها من القرارات المكملة.
وإذا كان القرار السياسي الخطأ للقيادة قد ألحق السواد بيونيو 1967، فإن الشعب الذي استدعى جيشه واستنصره ولبى الجيش نداء الملايين، قد صحح يونيو وجعله شهر المجد والفخر والانتصار.
الثلاثون من يونيو يوم استرداد مصر من قبضة التخلف والتسلط والجواسيس.