ليس دفاعًا عن عادل إمام!
طفحت السوشيال ميديا بسوء أخلاق عجيب؛ كالشماتة في الموت والتنمر بكبار السن خصوصًا من الفنانين والمشاهير.. حتى مرضى التوحُّد لم يفلتوا من هذه الآفة الكريهة.. وهو ما يثير سؤالًا مهمًا: لماذا وصلنا إلى هذا التردي الأخلاقي.. ولماذا أصاب التطرف مشاعرنا.. وأين ذهب الاحترام.. ولماذا غابت الرحمة.. وإلى أين يصل بنا هذا التنّمر الرقمي المتنامي؟!
التنمر سلوك مرفوض شرعًا؛ ذلك أنه سخرية مصحوبة بالتعالي والكبر لإلحاق الإيذاء النفسي بالشخص المتَنمَّر به يُعيَّر بها، وقد نهانا القرآن عن ذلك نهيًا صريحًا في قوله تعالى في سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ".
غياب الردع القانوني وانعدام الضمير وقلة الوعي لدى البعض جعل التنمر الإلكتروني ظاهرة تتكرر بين الحين والحين حتى استفحلت وطالت الجميع فنانين مرموقين وشخصيات عامة وأفرادًا عاديين، فمثلا الفنانة ميرفت أمين تعرّضت لموجة تنمر محرجة، بعد تداول صور أظهرت تغيرًا في ملامحها خلال عزاء المخرج علاء عبد الخالق..
التنمر والحرية الشخصية
كما تعرض الفنان عادل إمام تارة لشائعة كاذبة روجها البعض عن إصابته بمرض ألزهايمر وهو ما نفاه الفنان وقتها، ثم تعرض أخيرًا لتنمر آخر بعد نشر صور تظهر تقدمه في السن.. وكأن الكِبَر عيبٌ أو نقيصة من صنع الإنسان..
لقد كبر الرجل في السن وهو أمر طبيعي بعد أن أدى ما يعتقد أنه واجبه تجاه جمهوره وفنه ورسالته ووطنه، سواءٌ اتفقنا أو اختلفنا معه.. كبر سن الرجل كما يكبر كل الناس فتلك طبيعة الخلق، يبدأون صغارًا ضعافًا ثم يصيرون شبابًا يافعين أقوياء ثم يكبرون شيئًا فشيئًا وتضعف قواهم وهذا ما قاله ربنا في كتابه الكريم: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (الروم: 54).. فأي عيب في هذا حتى يعيَّر المرء به؟!
المتنمرون الذين يفعلون ذلك عن جهل أو سوء نية ينسون أنه سيأتيهم يوم تكبر فيه أعمارهم وتتغير ملامحهم وتتبدل أشكالهم وتخور قواهم الجسدية وتفتر عزائمهم وتسوء أحوالهم النفسية بحكم الزمن الذي قضى الله أن تمضي سنته على جميع خلقه.
التنمر ليس حرية شخصية كما يعتقد كثيرٌ من شباب الفضاء الإلكتروني؛ ذلك أن الإساءة للناس وجرح مشاعرهم أو انتهاك خصوصياتهم يعدّ تعديًا ممقوتًا على حرية الآخرين.. كما أنك إذا قلت في أخيك ما يكره فقد تجاوزت حرية الرأي والتعبير إلى الطعن فيه والتشهير به والحط من شأنه.
العيبُ في الخَلْق، وفيما لا دخْلَ للمخلوق فيه سوء أدب.. فتأدَّبْ مع الخالق، ووالله لوعلمتم ما جعله الله للمؤوف -يعني: مَنْ به آفة- لتمنيتم جميعًا أنْ تكونوا مؤافين، فإن الله تعالى ليس له ولد، بل وزَّع أسبابَ فضله على عباده، فإنْ أخذ من واحد منهم شيئًا فقد عوَّضه خيرًا منه.
أيها المتنمر تذكر قول الشاعر:
لسَانُكَ لاَ تَذْكُر بِهِ عَوْرَةَ امْرِيء فكُلُّكَ عَوْراتٌ وللنَّاسِ ألْسُنُ
وَعَيْنكَ إنْ أبدَتْ إليْكَ مَسَاوِئًا فَصُنْهَا وَقُلْ يَا عَيْنُ لِلنَّاسِ أعيُنُ.
فمن منا لم يكن به عيبٌ أو نقيصة.. من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر!