استطلاع الرأي الذي نحتاجه! (2)
لا شك أن توفر معلومات موضوعية دقيقة وتفصيلية يساعد في اتخاذ أي قرار سليم.. فالمعرفة قوة؛ ومن ثم فإننا في حاجة ماسة لاستطلاعات رأي تقدم حقائق كاشفة لشتى جوانب الحاضر، حتى يمكن التنبؤ باتجاهات المستقبل واحتياجاته وتحدياته، وتقدم في الوقت ذاته بدائل مهمة وحلولًا علمية لصانع القرار الذي لا يمكنه أن يفعل كل شيء لوحده.
وإحقاقًا للحق فإن عندنا جهازًا وطنيًا على درجة عالية من الأهمية والكفاءة، وهو جهاز التعبئة العامة والإحصاء الذي يقدم معلومات جرى جمعها ومعالجتها بأعلى درجات الإجادة والتوثيق ويمكن الوثوق بها لرسم ملامح الواقع بشتى أبعاده ومكوناته.. لكن رصد الحوادث اليومية والقضايا المتغيرة لا تدخل في اختصاص هذا الجهاز الوطني الرصين.
وكنا نرجو لو قام مركز معلومات مجلس الوزراء بسد هذا النقص على أسس علمية مدروسة لا تكتفي بسرد الحدث مجردًا، بل تقدم معه تحليلات معمقة واستنتاجات علمية ترسم خارطة طريق للمستقبل كما تفعل مراكز الأبحاث المرموقة في كل الدنيا، والتي لا تترك شاردة ولا واردة دون رصدها والوصول لحقيقتها.
أهمية استطلاعات الرأي
لم تعد استطلاعات الرأي الجادة ترفًا بل صارت ضرورة وفريضة يفرضها حراك متنامي يشهده مجتمعنا، وإيقاع متسارع للأحداث داخليًا وخارجيًا؛ فلم تعد السياسة غائبة عن أحد بفضل ما تغمرنا به السوشيال ميديا من أخبار ومعلومات ومغالطات وشائعات لا تجد في كثير من الأحيان من يفندها ويتصدى لها في وقتها، جميع تساؤلات الشارع وما يختلج في النفوس من تطلعات ومخاوف، وما يسود من انطباعات وتصورات صيغت في غيبة المعلومات الصحيحة.
استطلاع كان بوسعه أن يجيب مثلًا عن تساؤلات مثل: هل يعي المواطن حجم الأزمات العالمية.. وهل يتفق مع الحكومة بأن مشكلاتنا الداخلية بعضها أو جلها هي من تداعيات تلك الأزمات.. ومتى يعبر اقتصادنا الصعوبات الحالية.. وما وضع الاستثمارات المحلية والخارجية.. هل زادت معدلاتها أم تراجعت.. وما مدى جاذبية بيئة الاستثمار في مصر.. أهي جاذبة لرأس المال الأجنبي أم طاردة؟
وهل أدى قانون الاستثمار الجديد لتحسن ذلك المناخ.. وماذا عن التعليم والصحة.. هل يشعر الناس بتحسن حقيقي فيهما.. هل تراجعت معدلات الإنفاق العام.. أم زادت.. وماذا عن الصادرات المصرية وقدرتها التنافسية في الأسواق العالمية وحجم التجارة البينية مع الدول الأخرى.. وهل يميل الميزان التجاري لصالح مصر أم لصالح الآخرين.. وماذا عن الاقتصاد الموازي الذي يكاد يعادل الاقتصاد الرسمي.. وهل نجحت جهود الحكومة لإدماجه ضمن اقتصاد الدولة التي تستمد قوتها من قوة اقتصادها وتعليمها وإنتاجها وجيشها وتماسك جبهتها الداخلية؟!
كنا نأمل لو يصدر مركز معلومات مجلس الوزراء استطلاع رأي نصف سنوي أو سنويًا مصحوبًا بدراسة علمية تكشف باستفاضة حقيقة أوضاعنا كلها على مدى عام كامل مضى، ليكون بمثابة حصاد ومرشد يأخذ بأيدينا لتعظيم الإيجابيات وتجنب السلبيات، ليزداد تجاوب الناس مع القضايا المطروحة والمبادرات الجارية بقناعة وحماسة تضمن لها النجاح في ظروفنا الراهنة التي تحتاج إلى توافق مجتمعي يثمر بدوره مشاركة حقيقية وجادة ومستديمة.
مثل هذه الاستطلاعات في رأيي تنفع ولا تضر، تزيد مساحة الشفافية والوعي وتساعد على اتخاذ القرارات السليمة وتحقق المكاشفة والحراك المطلوب.. فهل تستجيب الحكومة؟!