بوصلة نجاح الحوار الوطني
شواغل الوطن وهمومه وتحدياته أكبر من أن تنهض بها جهة واحدة؛ والرئيس السيسي دائمًا ما يؤكد أن المصريين ما داموا على قلب رجل واحد فلن ينال منهم شيء.. هذه مقدمة ضرورية تجيب عن سؤال: لماذا الحوار الوطني في هذا الوقت بالذات.. وما جدواه.. وهل ستجد توصياته طريقها للتنفيذ الفوري.. وهل ستخرج الحكومة في أعقاب هذا الحوار بإعلان خارطة طريق تحدد بوضوح ما سوف تنفذه على الفور لاحتواء تداعيات الأزمات عالمية مثل كورونا والحرب الأوكرانية وما ترتب عليها وعلى غيرها من آثار اقتصادية سلبية في بلادنا؟!
الحوار ضرورة وطنية واجبة في كل وقت وهي أوجب توقيتنا هذا بسبب ما يجري حولنا من اضطرابات تؤثر بلا شك في أمننا القومي.. في جلسات الحوار وجدنا أصواتًا ذات تأثير وحضور تكلمت بلا سقف حتى وصلت إلى فقه الأولويات وهو ما يعني الانفتاح على كل الآراء.
طمأنة الشباب
أهم ما ينبغي أن يخرج به الحوار في رأيي هو طمأنة الشباب على مستقبلهم، وتقديم ما يلزم من حقائق وقرارات وإجراءات لتحقيق هذه الطمأنة وترسيخها في النفوس حتى لا تتسع الهوة بينهم وبين الدولة.
الشباب فوق أنهم يشكلون أكثر من 60% من سكان مصر فهم طاقة الأمل وعدة الإنتاج وقادة المستقبل ومن ثم فإن إدخال الطمأنينة إلى قلوبهم وتحصينهم بالوعي الحقيقي ضمانة لاستقرار هذا الوطن وأمنه وعبوره لكل التحديات.
الطمأنة ليست أمرًا لفظيًا يكفي لتحقيقه الوعود والكلمات بل تحتاج لإجراءات على الأرض ومقدمات مغايرة حتى نصل لنتائج مرجوة.. ونأمل ألا يكتفى المتحاورون بإبراء ذمتهم بآراء جريئة ومقترحات وأفكار واعتراضات تلقى الإعجاب وتداعب أحلام الناس فقط دون سند واقعي أو قدرة حقيقية على التنفيذ.. حتى لا يأتي الحوار بنتائج عكسية.. وألا تكون غاية جهدهم مجرد إلقاء الكرة في ملعب الحكومة أو حتى البرلمان.
طمأنة الناس على المستقبل واجب تتحمله الحكومة كما يتحمله الإعلام وكل صاحب رأي حر وكل وطني يحب هذا البلد؛ لكن الطمأنة الواقعية ينبغي أن تقول بوضوح كيف ومتى نعبر الأزمات ونواجه عواصف غبار يثيرها البعض عن رغبة في الإصلاح أو سعيًا للكيد والإضرار.. وشتان بين الفريقين!
المصارحة بالحقائق
يتطلع المواطن للإجابة عن تساؤلات تثير قلقه وربما خوفه على الغد، وهو ما يتفهمه الرئيس ويراه حقًا لكل مواطن يحب بلده. المصارحة بالحقائق تمنع انتقال القلق والخوف المشروع إلى تشاؤم يسد أبواب الأمل وينشر الإحباط والوهن.. ولا تزال الفرصة قائمة رغم المصاعب.. المهم أن تخلص النوايا ويشتد العزم..
وتتلقف الحكومات ما يصدر من إشارات إيجابية وتصغي بتركيز كبير لأصوات معتدلة حتى ولو كانت ترى غير ما تراه الحكومة؛ حتى لو اختلفت رؤاها أو تقاطعت مع قناعات ومسارات الحكومة ما دام الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية..
فالحوار معناه أننا على قناعة بأننا نحتاج أن يسمع بعضنا بعضًا مهما اختلفنا؛ فليس هناك حوار بين أنصار الرأي الواحد ومن ثم فإن الخلاف وارد ومشروع ويجب أن نتوقعه ونتفهمه ونحتويه لبناء ما يلزمنا من توافق وطني بات فريضة لا يصح التفريط فيها.
ينبغي للحكومة أن ترد بحرفية وموضوعية ومعلومات عن كل ما يثار من طروحات وأفكار وأسئلة تثيرها شخصيات عامة أو مؤسسات هنا أو خارج هنا بحقائق دامغة لتوضيح حقيقة الصورة وتفنيد المزاعم والاعتراف بأي قصور القصور إن وجد مع إعلان إجراءات عاجلة لتداركه.. هنا تتوارى الشائعات وتقطع ألسنة الكذب وتتحق المصداقية لدى المواطن الذي يهمه أن يكون وطنه في أحسن حال وأن تتحسن معيشته وتخف معاناته ويطمئن على حاضره ومستقبل أولاده.
أما نواب البرلمان.. فهل لا يزالون ينزلون إلى دوائرهم.. ويصغون لهمومها.. ويشرحون لأهلها الحقائق.. ويستطلعون آراءههم فيما يجري لتقديم مؤشر حقيقي عما يجري في الشارع في ظل غياب استطلاعات الرأي الجادة الوعية.. الحوار مهم لكن الأهم أن نلتزم بأخلاقياته وضوابطه وآدابه!