للمرأة ذمة مالية مستقلة.. والحق في اختيار القادة!!
على عكس ما يشيعه بعض المستشرقين، ويحاول بعض المتشددين فرضه من تفسيرات مغلوطة، فإن المرأة المسلمة في صدر الإسلام تمتعت بحقوق تفتقدها في الوقت الحالي، فقد ساوى القرآن الكريم، قبل أكثر من 14 قرنًا من الزمان، بين الجنسين في الخلقة والإنسانية وتلقي التكاليف الشرعية وطلب العلم والحدود والآداب والأخلاق، وجعل من حق النساء المشاركة في اختيار قادة المجتمع سواء بالانتخاب أو الشورى.
لقد ذهب الإسلام كما يقول الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب إلى أبعد من ذلك حين كفل للنساء حق التملك والانفراد بالذمة المالية باستقلال تام عن الرجل، بل إنه أحاط حقوق المرأة التي يتشدق الغرب وحضارته بأنه حامي حماها في عصرنا الحاضر، أحاطها الإسلام بضمانات تحميها من التغول عليها أو الانتقاص منها في وجه المجتمع ومروجي ثقافات العادات والتقاليد.
ذروة الانتصار للمرأة
ولعل من أخطر الحقوق التي كفلها الإسلام وقرعت -كالصاعقةــ أذن الرجل العربي ومجتمعه الجاهلي، حق التملك، والانفراد بالذمة المالية، والتصرف فيها: امتلاكا وبيعا وشراء، وقرضا وإقراضا في استقلال تام عن الرجل، زوجًا كان الرجل أو غير زوجٍ، ومكن للمرأة بهذا الحق أن تخرج من البيت لمزاولة العمل، وتعهد السوق وما فيه من صفقات وبيع وشراء ومبادلة، قال العلماء: حتى لو كانت المرأة مترفة لا حاجة لها بالخروج إلى السوق وما فيه.
هكذا يصل بنا الإمام الطيب إلى ذروة الانتصار للمرأة في وجه تيار التشدد والانغلاق، الذي يحاول بفهم خاطي للشرع وتصور ضيق للمفاهيم القرآنية والسنة النبوية أن يفرض رؤية متشددة تبقي المرأة حبيسة بيتها، لا يحق لها طلب العلم أو الخروج للعمل، مؤكدًا أن إنصاف الإسلام للمرأة لم يقف عند بيان حقوقها التي ذكرنا بعضا منها، وإنما ذهب إلى أبعد من ذلك..
حين أحاط هذه الحقوق بما يحميها من التغول عليها أو التنقص منها من جانب الرجل، أو الأسرة، أو المجتمع، أو مروجي ثقافات العادات والتقاليد، أحاط القرآن كل ذلك بأوامرٍ ونواهٍ في آياتٍ محكماتٍ تقول، "فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ"..
و"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا ۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا"، وقوله تعالى: "وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ"، وقوله تعالى أيضا "فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا".
آراء واجتهادات الإمام الأكبر تفتح بلاشك طريقًا للاجتهاد وتجديد الخطاب الديني الذي يبني جسور الوسطية والاعتدال ويقطع الطريق على التشدد والتطرف والانغلاق.. فلماذا لا يتبناها الإعلام ويتلقفها ذوو الأفهام ليضيئوا طريق الناس إلى فهم معتدل لنصوص الدين الحنيف الذي ينتصر للمرأة ويقف بها على قدم المساواة مع الرجل.. فاعتبروا يا أولى الألباب!