لما دماغك تكلمك؟
هل توفى الفنان الشاب مصطفى درويش فجأة، بسبب قلة ساعات النوم أو انعدامها لأيام؟ بمجرد انتشار الخبر الصادم، أصبح كثير من المصريين لا ينامون، بل هو نفسه كان يتساءل عما إذا كان هو وحده من لا ينام، رحمه الله؟ كأنه فجر المكتوم والمسكوت عنه!
هل هى ظاهرة عامة أم حالات استثنائية؟ حالة مرتبطة بانتهاء السهر في الشهر الكريم أم هي إحدى توابع تغير المناخ؟ أم تراها متلازمة التكنولوجيا المتسارعة الإيقاع؟
لقد عشنا عشرات السنين مع رمضان، سهرنا، للصلاة، وسهرنا للمسلسلات، وكنا ننام، ونقوم، وننام، ونكمل، غير أن أمرا عجبا يحدث للناس هذه الأيام، يصعب جدا أن يكون مرتبطا بتبدل الساعة البيولوجية، ويصعب أيضا أن يكون له دخل بقرار الحكومة أن يستطيل اليوم ساعة وأن تأخذ الحكومة خلسة ساعة من أعمارنا!
لماذا إذن يجافينا النوم؟ لماذا لا نغط في نوم عميق؟ السبات. ما أروع تلك الكلمة!.. لقد راح في سبات عميق. اليوم بديلها الطبيعي.. لقد سقط في براثن الكابوس، سقط فى قبضة الأرق.. لم نعد ننام بعمق، بل ننام في المنطقة ما بين السطح والسطح، سطح المرحلة الاولي، ثم سطح المرحلة الثانية، تلك بالضبط منطقة الحيتان والاشباح والشلل، تصرخ مستغيثا فلا يخرج لك صوت، تحرك جوارحك فلا حركة بل شلل رباعي كامل، بينما الشبح يمشي اليك ليأكلك، فتتشاهد علي روحك صمتا، وتستسلم!
هذا ما يحدث لي من وقت لآخر، حين أسقط فجأة من حافة جبل المرحلة الاولى بعد اغماض الجفنين الي قاع المرحلة الثانية، بدون تمهيد، مثل جثة!
موت الفجأة للشباب
من مداخلات أطباء القلب تعليقا على الوفاة الفجائية للراحل مصطفى درويش، وكان سبقه بالفعل عشرات ومئات من حالات الوفاة الفجائية فيما عرف بموت الفجأة للشباب وبينهم أطباء عديدون، صرنا نعرف أن عدم النوم المنتظم يرهق عضلة القلب، وقد يوقفها فجأة فتقع الوفاة..
وصرنا نعرف تشخيص الدكتور جمال شعبان مدير معهد القلب الاسبق بامبابة من أن الحزن يكسر القلب ويحطمه ويودى للموت! نعم الحزن يقتل القلوب، لأنه وحش يتمدد ويفترس حشايا القلب، لكن الوحش الأكبر هو حين تكلمك دماغك!
متى تكلمك دماغك؟ اذا تسلطت عليك دماغك فأنت ارتكبت جرما ثقيلا لا يتقبله ضميرك، أو استبد بك قرار تريد اتخاذه أو عدم اتخاذه، أو سيطرت عليك رغبة ترفضها، أو تطاردها لتتحقق السقوط في براثن فكرة يطيح بالنوم، ويجعل بداخلك صوتا ياخذ ويعطي معك، يترجمه الجسد في التقلب على الجنبين، وفي الزفرات الحارة، وفي الزهق، وفي تلك الصرخة القاسية الزاجرة: اسكتى يا دماغي اسكتى!
تلك هي أبشع المراحل والتى قد تفضي إلى الإنتحار، في حالات الاكتئاب العنيف، أو تحدث الميتة الفجائية. معاشرة الموبايلات والدردشات والتعرض للضوء الساطع ساعات وراء ساعات يقض مضاجع المخ، ويثير اليقظة، رغم أن الجفون تطبق تريد النوم، لكن الشعاع المتواصل له وطاة أقوى..
فلا غرابة إذن أن نرى أولادنا أو نحن، سقطنا صرعي النوم والموبايل مفتوح أو ملقى على صدورنا.. لكنه نوم سطحى عابر، يدمر عضلة القلب، والنفس والروح..
ما أقسى زماننا هذا.. نحن في إبتلاء عظيم..
ناموا تصحوا.. لكن ذلك رزق غاب عنا هذا الدهر قليل للبركة!