الطرف الثالث في المشهد السوداني!
فيما تتجه تفاصيل المشهد العسكرى السودانى إلى سيطرة شبه كاملة للجيش الوطنى السودانى، وتراجع ملحوظ لقوات الدعم السريع، ونزول قوات الشرطة لبسط الأمن في الخرطوم، وبينما وافق الطرفان على التفاوض عبر ممثلين لهما، الجيش والفصيل المتمرد، فإن من المنطق ألا تغيب عن الأذهان التصريحات الكاشفة للجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش من أن المعركة الحالية كانت مؤامرة وتدبيرا خارجيا وداخليا، وأنها انكسرت، وأن قوات الدعم السريع انقلابية.
من الملاحظ أن البرهان تحدث عن المؤامرة الكبيرة ضد الدولة السودانية، بعد أن دخلت القوات السودانية في المرحلة الثانية من معركة الخرطوم، وكانت الإشارات تتوالى على استحياء عن وجود الشبح التقليدي، الذي يسمى عادة في مثل هذه الظروف الملتبسة بالطرف الثالث !
الطرف الثالث هو دائما الفاعل الحقيقي، الغائب الحاضر، المؤثر والمحرك، وربما المخطط لعملية الفوضى، أو ما يسمى عادة بالثورة.
وفيما تشير اصابع الاتهام إلى قوى خارجية لم تحدد بعد، فإن جماعة الإخوان داخل حزب الموتمر الوطنى الذي حكم السودان لثلاثين عاما، هم الآن موضع الاتهام، بإشعال الفتنة وإذكاء الصراع بين الجنرالين، من ناحية وبين الجيش والقوى المدنية الديمقراطية التى أطاحت بنظام حكم البشير الإخواني.
دور جماعة الإخوان
ويرى مراقبون أن جماعة الإخوان وفلول البشير يحاربون بالفعل معركتهم الأخيرة في السودان، بتأليب العسكريين علي بعضهم البعض، حتى الإنهاك، ومن ثم يتم الانقضاض علي السلطة، وبدء محاكمات للقوى المدنية التى حشدت الشارع وأطاحت بهم.
تصريحات دعاة من الجماعة، وسياسيين من الحزب المخلوع، ترسخ الاستنتاج بأن رجال البشير وحزب المؤتمر الإخواني يؤججون المشهد، وللأسف فقد اندفع الجنرالان نحو القتال، وإنهاك السودان وتشريد الشعب، وإغلاق سبل الحياة تماما، فى مشاهد تبعث على الأسى والحزن.
هذه حرب المهزومين جميعا، المنتصر فيها مهزوم، والمهزوم مجلل بالخزى، والضحية هو الشعب، الامان، البناء، المستقبل، الارض، هذه جميعها تتبدد، هذه جميعها ثمن الصراع على السلطة، وغياب الثقة، والارتباط بأجندات خارجية.
السودان خسران خسارة فادحة ولعقود قادمة، ولقد وافق الرجلان حميدتي والبرهان على التفاوض، وهو ما كان مستحيلا الاسبوع الماضي، ومع الاسبوع الثاني، خضع المتصارعان للضغوط والنداءات والوساطات، لكن الضاغط الاعظم كان الانهاك، وقطع خطوط الامداد، وتناقص المعدات، على الاقل لدى الدعم السريع.
خروج البعثات الدبلوماسية برهان قاطع على أن الصراع مستمر، ومؤهل للاتساع، وأن القوى الكبرى ستجعل الساحة السودانية أشبه بالساحتين الليبية والسورية، فسوف تتواجد، إن لم تكن حاليا متواجدة، اجهزة المخابرات من الدول الكبرى، ودول الاقليم، ولسوف تظهر قوات خاصة تحمى مصالح هذه أو تلك، وسوف تنشأ حكومتان، وتقوى النزعات الانفصالية، ويتبدد السودان.. بسبب الصراع على الحكم.
وقد يكون من المفيد أن نتذكر أن البرهان وغريمه حميدتي كانا قاب قوسين اوأدنى من إعلان اتفاق إطاري نهائي، وبين يوم وليلة، بدأت المعركة ! هل الإخوان وحدهم المجرمون كالعادة؟ في التجربة المصرية، كانوا امتدادا للخارجية الامريكية، برعاية أوباما،، فمن وراء الإخوان هذه المرة؟ لماذا لم يكشف البرهان عن المخططين من الخارج؟ من يمول الدعم السريع حتى الان؟ لم يتم تحديد موعد لبدء التفاوض.. سيكون مجالا لقتل الوقت واعادة شحن الذخيرة!
وعبر الحدود مع مصر، تبقى العيون الثاقبة ساهرة، ترصد وتتابع..