الأولة مصر!
توقفت عند ثلاث مناسبات إحتفلت بهم مصر الأيام الماضية بما لها من دلالات مهمة، أقصد عيد تحرير سيناء الواحد والأربعين، وعيد العمال، والمناسبة الثالثة هي بدء الحوار الوطني الذى أعتبره عيدا آخر للالتفاف الوطني حول هموم الوطن وتحدياته.
الأوله مصر وسيناء وشعب وجيش حررها من عدو احتلها في صباح 5 يونيو 1967، وحررناها فى عز الظهر في 6 أكتوبر 1973، هزمونا في 6 أيام وهزمناهم في 6 ساعات وبعد مرور 6 سنوات محونا عار النكسة في تحد لا يفعله سوى الفراعنة وجيشهم.
بالأمس البعيد كان الصمود متتاليا ضد هجمات متوالية والاف المعارك منذ آلاف السنين، وصفحات التاريخ شاهدة لها وذاكرة فى المتن والهامش، وبالأمس كانت فى عدوان ثلاثى أو حرب 1967 ودفعت مصر الثمن راضية بسبب مساندتها لسوريا والعراق والأردن وفلسطين والجزائر واليمن وأفريقيا ودول العالم الثالث.
والهدف لم يكن جمال عبد الناصر فحسب ولكن مشروع نهضة وقوة مصر التى خرجت بتأثيرها من حدودها الضيقة إلى محيطها العربى والافريقى والعالم الثالث الباحث عن الحرية والاستقلال، وكان المصريون هم السبب فى غياب الإمبراطوريتين الفرنسية والبريطانية لذلك كانت المؤامرة.
كان العد وواضحا في الماضي وما زال، بالإضافة لمحاولاته المستمرة بتغيير شكله كالحرباء.. واستكملت الدولة المصرية معاركها من أجل تحرير سيناء مرة أخرى من قبضة الإرهاب والتطرف ومحاولات جر مصر إلى العصور الظلامية.
فلم يكن الهدف هذه المرة احتلال جزء من أرض الوطن بل كان الهدف كيان الدولة المصرية ذاتها.. ولم تكن هذه الحرب لصالح مصر فحسب لكن خاضتها مصر لصالح الإنسانية، وبالوكالة عن جيوش العالم جميعا للحفاظ على هوية ومنجزات الحضارة الحديثة.
أحلام عمال مصر
وفى نفس الوقت كان الشعب بكل فئاته وفى مقدمتهم العمال يخوضون معارك التنمية والبناء بزرع الحياة في سيناء وباقى المدن المصرية وكان الشعار الشهير حاضرا على أرض الواقع يد تبنى ويد تحمل السلاح.
وهنا نقول الأولة مصر وعمال مصر وساعدها القوى في البناء لذلك يكون مضمون المناسبة الثانية ليس الاحتفاء بالعمال -وهم يستحقون- لكن بقيمة العمل ذاته، وهى المعركة الأصعب، فالمعارك العسكرية تنتهى مهما طالت، والأوطان المحتلة يحررها الأبناء مهما كانت قوة المستعمر لكن معركة التقدم مستمرة لا تنتهي وثمارها تأتى بعد حين والثمن غال جدا من العرق والسهر والدأب.. والحمد لله جينات المصريين منحها الخالق نعمة الخلود، والخلود لا يحدث إلا بالقوة والعمل والفكر.
لذلك علينا الإستماع إلى مطالب العمال أو بالأصح أحلامهم وقد طرحها محمد جبران رئيس إتحاد العمال أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي بقوله: نحلم وبعيدا عن الشعارات بزيادة الإنتاج والوصول إلى أكبر معدلات التنمية ورفع حجم التصدير إلى مئات المليارات من الدولارات وحتى يكون لنا وقتها الحق في المطالبة بزيادة كبيرة في الأجور وتحسين لأحوال المعيشة كما تتمنى لنا ونتمنى نحن.
نحلم بمعاشات تساوى آخر أجر لمن أفنى حياته وشبابه في العمل وحتى يستطيع مواجهة أعباء الحياة.. نحلم بربط كل الجامعات التكنولوجية وكليات الهندسة والزراعة والمعاهد ومدارس التعليم الصناعى والزراعى في كل أنحاء الجمهورية بمصانعنا ومشروعاتنا في القطاعين العام والخاص حتى يرتبط التعليم بالتدريب العملى الحقيقى.
نحلم بخطط تدريبية تنقل عمالتنا الحالية إلى مصاف العمالة الماهرة المدربة لاستيعاب أحدث صيحات التكنولوجية الصناعية لتكون سندا لحركة التصنيع في الداخل وتصديرها إلى دول العالم العربى والأجنبى. نحلم بأن يضخ القطاع الخاص أمواله واستثماراته في شرايين الصناعة بعد أن مهدت لهم الطرق بالبنية التحتية والتشريعات.
هكذا حول عمال مصر مطالبهم إلى خطط للعمل والإنتاج انطلاقا من المثل الشهير: علمنى الصيد وأعطنى صنارة بدلا من سمكة.. وبلغة العمال التى كانت مشهورة في وقت مضى: المنحة يا ريس.. بدلا منها أصبحوا يطالبون بفتح مصانع جديدة وتطوير القائمة واستصلاح اراضى وتدريب على أعلى مستوى حتى يستوعبوا التكنولوجيا المتقدمة.
فالعامل المصرى بذكائه الفطرى يستطيع تحويل التراب إلى ذهب والحياة اليومية تكشف هذا الذكاء من الاختراعات اليومية للتغلب على نقض قطع غيار معينة أو تحويل كفاءة أى ماكينة إلى سنوات عمل إضافية تجعل أى أجنبى عاجزا عن فهم هذه القدرة.
وإذا كان البعض يقول إن الأجداد بنوا الأهرامات بالسخرة وحفروا قناة السويس بالسوط في عشرات السنوات، يكذبهم الواقع الآن.. فقد بني الآباء السد العالى وعشرات القلاع الصناعية بالعرق، وحرروا الأرض من العدو بالدم، والآن ندخل الجمهورية الجديدة بالحب والإصرار والتحدى والجهد والعرق، ولم يكن ليتم ذلك إلا بسواعد الشعب المصرى وتحمله الصعاب، ونقلوها بوضوح للجميع.. بأيدينا وعرقنا سوف نبنيها.
الحوار الوطني
والثالثة مصر والحوار الوطني حيث يجلس أبناء الوطن بأطيافه المختلفة على مائدة الحوار والنقاش حول هموم اليوم وحلم المستقبل.. وبلورة الأفكار لوضع خارطة طريق ورؤية وطنية شاملة تكون منهاجا للعمل في الفترة القادمة لعلاج المشاكل من الجذور بعيدا عن أنصاف الحلول أو المسكنات من خلال الاستثمار.
بين المناسبات الثلاث شريان يضخ من خلاله دماء الوطن وسعيه للبقاء والخلود، والشعب نعم يستطيع الآن، ويستطيع أن يفعل المعجزات في كل وقت.. مثلما فعلنا في الماضى وبنينا حضارة يقف العالم أمامها منبهرا حتى الآن فإننا نستطيع الآن، وقد صدق شاعر النيل حافظ إبراهيم حين قال:
وَقَفَ الخَلقُ يَنظُرونَ جَميعًا
كَيفَ أَبني قَواعِدَ المَجدِ وَحدي
وَبُناةُ الأَهرامِ في سالِفِ الدَهر
كَفَوني الكَلامَ عِندَ التَحَدّي
yousrielsaid@yahoo.com