الأرذال
في ثالث أيام العيد، وبينما كنت أمر في أحد الشوارع الجانبية، في الحي الشعبي الصاخب، جلس بعض الصبية الذين قد لا يتجاوز عمر أكبرهم ثمانية عشر عاما، على ناصية الشارع، يعبثون بصياح يحتوي على ألفاظ نابية تخدش الحياء، وهم يظنون أنهم يحتفلون.
فيما كانت تمر من أمامهم مجموعة من الفتيات، يسرن باحترام بالغ غير ملتفتين لهؤلاء تماما، وفجأة صرخت إحداهن: "عيب عليك يا قذر"، موجهة صراخها إلى أحد الجالسين على الناصية، وتعالى صياح الصبي مقابلا لها: "عايزة إيه يابت أنا كلمتك؟".
ألمحت الفتاة هى ورفيقاتها، إلى شهود الموقف، بأن الولد استغل فرصة مرورها أمامه ولمس ملابسها، وما بين انكار الصبي وسبابه لها، وتأكيد الفتاة على فعلته، وتدخل المارة لتعنيف الولد، ومحاولة إثناءه هو وأقرانه عن مضايقة المارة في الطريق، وردود الولد النابية الغليظة هو وأصحابه على الجميع، هبطت الفتاة بغتة إلى الأسفل وتناولت "شبشبها" ثم انهالت به على رأس الصبي وجسده، فما كان منه إلا الفرار هو وأقرانه من أمامها مثل الجرذان واختفوا تماما عن الانظار، وأثار تصرف الفتاة إعجاب الجميع كونها لقنت هؤلاء درسا جزاء ما ارتكبوا من صنيع، قد يفكرون ألف مرة قبل تكراره مع فتاة أخرى.
تأتي أيام العيد وتحمل معها عبئا نفسيا ثقيلا على كل من يفكر في اختلاس فسحة هادئة هانئة مع أسرته، وسط بعض عديمي التربية، فيقع بين شقي الرحى، لا يدري هل يستمتع بوقته مع أولاده غير عابئ بوجود هؤلاء؟ أم يقضي الوقت كله في فرض سياج القلق والتوتر حولهم تحسبا لأى فعل مفاجئ من الزومبي الذين يطال أذاهم الجميع.
كرهت منذ زمن الخروج من المنزل لأي سبب في العيد، حتى إذا هممت بالنزول إلى العمل وركوب المواصلات العامة، فإننى استعيذ بالله من الاصطدام بأراذل البشر، ملوك الاستظراف على خلق الله.
لا أدري حقيقة إلى متى يستمر هذا الهراء الإنجابي بلا إحسان للتربية، حين يطلق كل من يريد العزوة المزعومة، أولاده إلى الشوارع غير مكترث بمضايقة الناس، وبلا أدنى توعية لهم بحقوق الطريق والمارة، فيكون مصيره ومصيرهم بعثرة كرامتهم.
حق الطريق من أهم الحقوق بالأداء سواء بالجلوس فيه أو قيادة المركبات، أو داخل وسائل المواصلات، فما أسوأ الإحساس بالقلق والتوتر فى نزهة أساسها الاستمتاع والوقت الجميل، وما أسوأ إنجاب "ماكينات أذى بشرية متحركة" لا تعرف إلى العقل والتربية سبيلا، دمتم بعافية وكل عام وحضراتكم بخير.