رئيس التحرير
عصام كامل

من لجان الإخوان إلى لجان رمضان!

حتى الحلقة التاسعة عشرة، منعت نفسي كالعادة من مشاهدة محمد رمضان، في مسلسله جعفر العمدة، لكنى وجدت كثيرين من حولي، حقيقيين وافتراضين، يتحدثون عن جعفر والأجواء الأسطورية التى تدور فيها أحداث حارة شعبية في حى شعبى عريق هو حي السيدة زينب رضى الله عنها. 

 

يرتبط محمد رمضان في ذهنى بصورة البلطجى المارق العاق. يأخذ القانون بذراعه، تتويجا لشعاره: أنا رئيس جمهورية نفسى. بالإضافة إلى أعماله الفنية، ضاعف محمد رمضان من نفور الناس بتصرفاته الشخصية.التعرى والتباهي، والبخل في تعويض أسرة الطيار الذي توفى حزنا وكمدا. ومن عجب أن ينفر الناس من شخص، ثم يقبلون على أعماله يحدث ذلك عند التعاطى!


في الصحافة، وفى بدء حياتي المهنية كنت أرى كاتبا كبيرا جدا مرموقا، استبدت به عاطفة الموالاة للرئيس السادات رحمه الله، على نحو كان بالنسبة لشاب يخطو أولى الخطوات في الصحافة وبداخله أحلام وافتراضات، منافقا عريقا!
ولم يخل عصر الرئيس الراحل مبارك من منافق أشد عراقة وأقل مهنية، مد الله في عمره!


ومن عجب ان الناس كانوا يقبلون على متابعتهم وقراءة ما يسطرون، كما يفعل الناس الآن، يشتمون محمد رمضان ويشاهدون أعمال محمد رمضان، أهى حالة انفصام جمعى؟ أم يمثل نوع المخدر العام المقبول، الذي يشبع المرحلة الهابطة في الذهنية المصرية؟


موهبة محمد رمضان

يعتبره كثيرون مدمرا للأخلاق العامة، ورمزا للبلطجى الكامل ثم يدخنونه.. والحقيقة أن رمضان في رمضان هذا العام، قدم البلطجي المثالي، القوة مع العدل، مع الطيبة مع الشر مع الربا مع النساء، متعدد الزوجات، عمدة الحارة الزينبية، رومانسي، ومتبجح، وعطوف على أمه سليطة اللسان المتسلطة، خلطة جمع فيها محمد سامي مؤلف ومخرج العمل كل ما يمكن من توابل، احسن مزجها وطحنها وتقديمها، في دراما حافلة بالأحداث، والدموع الغزيرة والفجور الجاحد. كل حلقة تفضى إلى الأخرى كما يفضي الدخان الأزرق بعضه إلى بعض في حلقات ودوائر.


عند الحلقة التاسعة عشر إذن قررت أن أتعاطى محمد رمضان، في جعفر العمدة، وأن أفعل ذلك علنا مع أفراد أسرتى، وأن أنزل على رغبة زوجتى، اتفرج.. اتفرج.. كل الناس تتفرج. وعلى الفيس بوك وانستا، وجدت فيديوهات اشادة، وبوستات إعجاب، وناس تهاجم وناس تدافع، وناس تدعو الله ان يهد القوى، ويرد العقل الجميل إلى المصريين!
مع مشاهدة الحلقات، من الأول للآخر، ودأب المعلقين الافتراضيين، واستمرار خلق حالة جدل وحوار مع وضد، تشكلت أمامى ملامح واضحة للخطة التسويقية الذكية للجان الإلكترونية تعمل لحساب الممثل محمد رمضان. لا يمكن ان تكون الحالة التسويقية الموازية لحلقات المسلسل منفصلة عن خطة أو وليدة صدفة. بل يمكن الذهاب إلى أبعد من ذلك، وهو أن الشركة المنتجة يحق لها أن تفعل ذلك، فهى في الأصل شركة إعلانات.


تأثرت إذن بهذه الحملة، ورحت اتفرج، واتابع جرأة الحوار ومفرداته، فجور مطلق في الشر، وفى العقوق، قوة هرقلية للحاج المرابى جعفر العمدة عاشق النساء، والحق أنه لابد من الاعتراف بقدرة المؤلف والمخرج محمد سامى على إفراز عمل جذب الملايين من الطبقات كافة، فينا كثيرون من المثقفين يخفون ذلك تعاليا، لكن وقع منهم المسلسل موقع الضرورة تحت تأثير نافذ لإلحاح إلكتروني ذكي منسق مستمر بلا هوادة.


ليس جديدا الإقرار بموهبة محمد رمضان، وأن الله أعطاه موهبة وحضورا، وانقساما حوله وعليه، ولعل الأعمال التالية له تشهد رشدا في الاختيار، وأن ينسج الثنائي الناجح، سامى ورمضان عملا اجتماعيا. تتقبله الأسرة المصرية ويرتقي بالشعور العام، ويعمق المودة وإعلاء التسامح لا العنف ولا السرقة ولا خنوع سيد جعفر (أحمد فهيم)، طول الحلقات يهطل دموعا غزيرة! هالة صدقى وايمان العاصى إعادة اكتشاف الذهب.


من اللجان الالكترونية للإخوان إلى اللجان الإلكترونية لمحمد رمضان.. يمكن رصد التطور الطبيعي للعته العام!
يبقى في ذهنى سؤال جامح لم أجد له إجابة عند المخرج المؤلف: من أين للصبى سيف ابن جعفر المفقود. المال الذي فتح به محلات اكسسوارات فخمة ويركب سيارة فاخرة، وهو بعد إبن تسعة عشر عاما؟.
أولادنا تجاوزوا الثلاثين لا يملكون العمل..

الجريدة الرسمية