ثقافة الفوضى.. والحنين إلى الاستبداد !
سؤال واضح ومباشر: الخوف أم لقمة العيش؟ الخوف يرتبط بزوال نعمة الأمن، ولقمة العيش ترتبط بنقص يهدد استمرارها، ناتج عن غياب الأمن. منذ ما يسمى بثورات الربيع، أو تفتيت الدولة الوطنية عبر تأليب أفراد الشعب وفئاته، واشاعة الفرقة ببث الشائعات والأكاذيب، وأنصاف الحقائق، وموالاة طرف ضد طرف داخل المؤسسة الواحدة، صار الاختيار مؤلما وغاية في الصعوبة..
لأنه اختيار بين شر وشر، ومن ثم يمكن طرح السؤال أعلاه على نحو مغاير، يعكس حقيقة المأساة التى تعيشها معظم الدول الوطنية العربية حاليا، إذ دخلت ليبيا، وسوريا، والعراق، ولبنان، واليمن نفق اللاخروج، ولنطرح السؤال على النحو التالي: هل تقبل بحاكم مستبد بديلا عن الفوضى، أم تقبل بفوضى بلا عقل، يتولد منها وعنها مئات الطغاة المستبدين؟
كلاهما شر وظلم مرفوض، في الظروف الطبيعية، حيث الاستقرار، وحرية التعبير، لكن وقت الكوارث السياسية والعسكرية الأخذة بخناق الشعوب العربية، بل أو شعوب، تصبح المفاضلة بين شرين حتمية، وليس فيها أي وجه من وجوه حرية الاختيار. موقف مماثل عاشته الدولة المصرية، إذ كانت المفاضلة بين قبول الإرهاب الاخوانى أو قبول القتل والانفجارات: نحكمكم أو نقتلكم.
الفوضى وشعارات الحرية
مع شيوع الفوضى، تغيب السلطة المركزية القوية، وتتعدد رؤوس القرار. رأس ضد رأس. وقرار ضد قرار. ومع وجود ميلشيات وراء كل رأس يشعر الزعماء المتعددون أنهم في سباق للفوز بالحكم والسيطرة على قطعان الجماهير.
ويل للدولة التى تسمح بنشأة قوات مدنية مسلحة، أو قوات شبه عسكرية، أى الميليشيات، فهذه القوات ربما تخدم أهداف الدولة في مرحلة ضعف للسلطة المركزية، حزب الله في مقاومته لإسرائيل، ثم ميلشيات عصائب أهل الحق، اي حزب الله العراقي، التى نجحت مع الجيش العراقي الوطني في دحر داعش، ومع الوقت والتمويل الخارجي، تتولد قوة مستفحلة تتعاظم على الحكومة والجيش، بل والرئاسة ذاتها.
وسط الفوضى ومع اضطراب الأوضاع وحروب البيوت والشوارع، والجوع ونقص الدواء، والعلاج، وانتشار الخوف، يصبح السؤال واجبا للمرة الثالثة: حاكم وا حد مستبد، أم فوضى مستبدة، تتناسخ، بألف طاغية؟
المأساة الحقيقية أن كل فوضى صنعت في سوريا وفي مصر، وفي ليبيا، وفي العراق، وبعض الملكيات العربية على استحياء، استخدمت شعارات الحرية والديمقراطية غطاء لقراراتها وممارساتها الاستبدادية، بل حركت موجات الرأي العام ضد حاكم واحد اعتبرته مستبدا، لتطيح به، وتستبد هى، مطلقة اليدين، وسط الفوى التى خلقتها.
مستبد واحد خير من فوضي عشرات ومئات المستبدين؟! إنه لسان حال كل من يكتوى الان بسقوط الدولة الوطنية ودخول القوى الأجنبية على الخط، توجه وتدير وتعبث لترسيخ التفتيت.. الحاكم المستبد شر.. وطغاة الفوضى والعملاء شر.. تلك مفاضلة الظرف القهرى.. تذكروا هذا الشرط الظرفي.
