الرحلة المقدسة!

بين الحين والحين أقوم بها كاملة وإن كنت أقوم بجزء منها يوميا..أغوص فى كل سنتيمتر فيها إلى مئات السنين وأخشى أن أدوس على حفنة تراب مشى عليها ألأجداد والصالحين ممن سكنوا مصر وعاشوا فيها وعاشت فيهم.. ارحل إلى أيامهم المتوالية واتعايش مع ملايين الحكايات والأحداث.. أصفها للأصدقاء ضاحكا بأنها الرحلة المقدسة محاولا مشاركتهم لى فيها.. بستجيب البعض وينشغل عنى البعض.. 

لسنوات كررتها مئات المرات مع الصديق الراحل محمود نافع رئيس تحرير الجمهورية الأسبق الذى كان عاشقا معى للترحال عبر دروب المحروسة القديمة والشعبية..  كنا نبدأ من بعد صلاة الفجر في الجامع الأزهر أو سيدنا الحسين ونخرج لنجوب المنطقة من الجمالية إلى الدرب الأحمر.. ومن باب الفتوح إلى باب زويله..  من الغورية إلى شارع المعز..  

نحتضن الأماكن ويستغرقنا الوقت والتأمل من الصباح الباكر حتى تخبطنا الشمس قرب الظهر فنفيق، وتعصى الأقدام على السير بالجسد المنهك من السهر والمشى..  كما شاركنا بعضها الكاتب الصحفى جلاء جاب الله رئيس مجلس إدارة دار التحرير الأسبق..  ورحلات أخرى مع الفنان ورسام الكاريكتير الراحل سعيد الفرماوى وكان حكاء من نوع غريب وعالما بكل شبر في مصر القديمة، يطلق النكتة وبعينه يصافح الأماكن بكاميرته الصغيرة..

والشاعر أحمد هريدى الذى شاركنى لسنوات في رحلة أطلقت عليها رحلة الوضوء والتطهر من إدراة الحياة ومع الكاتب الصحفى فتحى خطاب ورسام الكاريكاتير عصام حنفى كانت جولات في رحاب آل البيت.. ألخ.. هنا الرحلة لا بد أن تكون على الأقدام وتبدأ من بعد صلاة الظهر أو صلاة الجمعة من مسجد السيدة زينب.. بنت الإمام على بن آبى طالب وبنت السيدة فاطمة الزهراء حفيدة رسول الله وشقيقه الامامين الحسن والحسين..  هى المرأة الوحيدة المعروفة بلقب الست أو السيدة، بهذا اللقب فقط تعرف أن المقصودة هى السيدة زينب..

مسجدا السيدة زينب

وبعد الصلاة في باحة المسجد الذى تشعر فيه براحه غريبة..  التأمل في الجدران المبنية بالحجر الجيرى رحلة مع الزمن والسقف الخشبى المزركش بالزخرفة الاسلامية عنوان لتاريخ مصرى في الزخرفة.. زيارة المقام رحلة روحية لا تقارن.. قراءه الفاتحة والجلوس فى حضرة الست في رحاب مقامها الرفيع بعض الوقت والتـأمل وذكر الله والصلاة على النبى والتحليق لعنان السماء تخرجك من الواقع إلى هناك..  

تتخللك رائحة الورود والرياحين والنعناع الأخضر الممتزج ببعض ضوء النيون الأخصر تجعلك تخف وتشف وتحلق إلى هناك.. بعد فترة لا تعرف مقدارها.. تعود للأرض.. تخرج جارا قدميك وهى لا تطاوعك.. تحاول عصيان أوامرك بالمغادرة ظنا منها إنك تريد الخروج لمشاغل الحياة من هذا النعيم.. أغادر بالقوة تاركا بعضى في الداخل.. وحين أضبط البوصلة نحو اليمين أجدنى مدفوعا نحو اليسار..  

أتيقن من الرسالة حين أجد مقام وضريح محاط بالزجاج ويأتينى من بعيد صوت خافت لفتاة فى أواخر العشرينات أو بدايه الثلاثينات: "سيدي عتريس هات العريس".. فى مشهد يقل أحيانا رواده ويزيد في أحيان اخرى ألحظه في زياراتى المتكررة.. اقترب من الضريح الزجاجى أجد بعض الاوراق النقدية والعملات المعدنية وبعض الرسائل الورقية المطوية.. هو مقام العارف بالله محمد بن أبي المجد القرشي المعروف بـ"سيدي محمد العتريس" خادم مسجد السيدة زينب.

مات في أواخر القرن السابع الهجري، فدفن بالجهة البحرية من مقام السيّدة زينب، وبجواره مقام سيدي عبدالرحمن الحسيني العلوي العيدروس، من بلاد اليمن جاء إلى مصر عكف على نشر العلم والفضيلة، وظل هكذا حتى توفي، في عام 1192 عن عمر 57 عامًا، وصلي عليه في الجامع الأزهر، ودفن بمقام سيدي العتريس.

 
وتصر قدماى على الاستمرار في السير إلى جهة اليسار لكن هذه المرة خارج المسجد إلى الجهة المقابلة لمسجد السيدة زينب.. أفهم الإشارة واتجه إلى 32 حارة السيدة زينب.. هنا المسجد القديم لحفيدة سيدنا رسول الله السيدة زينب.. أول مكان عاشت فيه بعد قدومها من كربلاء.. المبنى يحمل إسم تميم الرصافى نسبة لأحد أمراء الحجاز، لكن الأهالى لا يعترفون بهذا الأسم الرسمى ويصرون على إسم السيدة زينب.. ولا يزال يعلو المسجد لافتة مدون عليها مسجد السيدة زينب القديم.. 

كنز مصر في توسعة مسجد السيدة زينب!

الآخرون!

نعم الكثير من المصريين لا يدركون أن هناك مسجدين يحملان إسم السيدة زينب فى نفس الرقعة الجغرافية ويتوجهون إلى المسجد الشهير بالميدان.. ويضم من الداخل، مئذنة كبيرة ومن الأعلى دائرة على إزار خشبى منقوش فيه سورة يس ولمنارته ثلاثة أدوار منقوش بدائرتها آيات قرآنية وفيها سورة يس وليس به أضرحة
وللرحلة بقية
yousrielsaid@yahoo.com