رئيس التحرير
عصام كامل

الآخرون!

أعيش حالة كارثية، بدأت منذ فترة، لكن تفاقمت منذ أيام أو أسابيع، لا أذكر، بدأت هذه المشاعر الكارثية عند لقاء بعض الأصدقاء وزملاء العمر منذ سنوات كما قالوا، نظرت إلى وجوههم وتمعنت فيها، استغربهم، أسأل نفسى: من هؤلاء ومن عرفنى عليهم وما هى حكاياتهم ولماذا يتحدثون معى بلا تحفظ وكأنهم يعرفوننى منذ سنوات؟
 

أكاد لا أعرفهم، أدقق فيهم ومستغربا معرفتهم بى ومنادتى باسمى بدون ألقاب أو أسوار حاجزة تقيمها طبيعتى المتحفظة على من لا أعرفه أو الذين لا أريد اقترابهم من داخلى دون إذن منى، تزداد دهشتى من تدفق القصص والحكايات والنوادر المشتركة وحوارات قديمة أتذكرها جيدا، نعم أتذكرها وكأنها حدثت أمس..

 

لكن السؤال الذى يباغتنى: نعم أنا أحد أطرافها، لكن أين باقى الأطراف في هذه الأحداث؟ أنظر إلى وجوههم وأتفحصها بدقة، تصلنى الإجابة من الأعماق: على الأقل، ليس هؤلاء بأى بحال، أبحث عن الشركاء الحقيقيين لهذه الحكايات المتجذرة فى أعماقى، لا أصل، ومع ذلك أخشى طرح السؤال حتى لا يتهمنى من أعرفهم أو حتى هؤلاء الذين لا أعرفهم في سلامة قواى العقلية، وأخشى من اتهامى بالتهمة الكبرى وهى اصابتى بالزهايمر..

 

 رغم يقينى بصحة هذه التهمة الكبرى وأن كنت أقاوم تصديقها، أنجح أحيأنا وأفشل فى أحايين كثيرة، المهم أبتلع الصمت والسكات عن مضض من لا حيلة له، أعود إلى ملامحمهم وأسافر إلى داخلهم، أصطدم بجبال التجاعيد الرابضة على الوجوه وتهدل الآصداغ وانكماشات الجلد وتوقيعات الزمن غير القابلة للمحو، خطوط متعرجة، والمستقيم منها أنحنى بالقهر ليخرج عن مساره إلى التواءات فوقية أو سفلية مثل ديدان طولية لم أشاهدها في الواقع لكننى أراها الآن ممدده على الوجوه.. 

 

من الوجه تنطلق عيونى إلى الرؤوس، الصلع تاج يتربع فوق أكثر من أجلس فى مواجهتهم، صاروا كالديوك الشركسية كما كانت تطلق أمى على الديوك منزوعة الشعر أو بالأصح الصلعاء، والقليل من هؤلاء الأشخاص ممن هربوا من معركة الصلع الكبرى تحول شعرهم الأسود، ناعم كان أو مجعدا، إلى شعيرات بيضاء.


وبعيدا عن هذه الأثار التى تصر بحار العمر واعاصيره على استكمال عمليات التعرية والنحر باصابه من أتمعن فى ملامحهم ولا أعرفهم مثل الهجوم على الأشجار في وقت الخريف من تساقط الأوراق أيذأنا أو انذارا بقرب قدوم فصل الشتاء. 



غرباء


أشعرأنهم غرباء عنى، لا أعرفهم، لم أقابلهم من قبل، لكن صوتهم يأتى صداه من داخلى، يشبه صوتهم أو يكاد، يعنى هم تقريبا، لكن لماذا لا يشبهوننى، أو يشبهون أصحاب الأصوات التى تأتى من أعماقى، أعيد تفحص ملامحى المحفورة داخلى، شعر معقول وصلعة خفيفة جدا كان يتندر عليها البعض وقتها، الآن يتحسرون على عدم امتلاك مثلها أو حتى ربعها ويحلمون ببعض شعيرات مبدورة في صلع الصحراء الذى أجتاحهم.. 

 

لا، لا يمكن أن أكون مثل الجالسين أمامى الآن، ويحاولون بدأب تسريب هذا الإحساس لى.. معقوله أكون شبههم، لا يمكن أبدا يصرخ الشخص الساكن داخلى، هى أحدى المؤمرات أو المقالب البسيطة التى تعودت على مثلها كثيرا، أترك لهم المكان وأغادرهم بتحية باردة.. 

 

يستغربون من برودتها التى لا تتناسب مع الحرارة التى كانوا يتحدثون بها معى، وبدون ترتيب وفجأة بعد أحد هذه اللقاءات خدعتنى رجلاى مثلما أعتادت مؤخرا في عدم طاعتى في المشى، المهم جرتني رجلاى اليها، نظرت فى المرأة وجدت شخصا أمامى لا أعرفه، شخص أخر غير الساكن فى داخلى، تجاعيد وخطوط دوديه منحنيه وشعيرات بيضاء، هنا وهناك، وأنطفاء فى بريق العين، وبدأت قدماى تمارسان معى فصل جديد من الندالة والخيانة من صراخها بعدم تحملها استمرار وقوفى فوقها.. 

كدت أن أسقط وأنطلقت من داخلى صرخة: أنا مش أنا، ليرد عليها هجوم متبادل قادم من بعيد، صوت عبد الباسط حمودة:  أنا مش أنا، أنا مش عارفني، أنا كنت منى، أنا مش أنا، لا دى ملامحى.. ولا شكلى شكلى.. ولا ده أنا 
رددت عليه: أنا مش أنا ولا ده أنا …  و لا هم.. هم !!
yousrielsaid@yahoo.com 

الجريدة الرسمية