بلد مناصب!
بلدنا ليست بلد شهادات كما قال عادل إمام في إحدى المسرحيات.. بلدنا بلد مناصب!.. في مؤتمر حضرته مؤخرا لفت انتباهي أن مدير إحدى الجلسات اهتم بتقديم المتحدثين بالإشارة إلى المناصب التي تولوها منذ التخرج من ساحةَ الجامعة، بدءا بعضويةً لجنة فرعية من لجان مجلس ما حتى منصب الوزير الذى تمت مغادرته.. وفي إحدى الصحف الخاصة، التي يسميها البعض خطأ مستقلة، ذيل المحرر مقالا لكاتب بنحو أربعة عشر منصبا أغلبها مناصب سابقة!
وهذا يعنى أن بلدنا صارت بالفعل بلد مناصب.. ولذلك نتباهى بها بدرجة كبيرة وبشكل صارخ.. ويظل من حصلوا عليها متمسكين بأن يعاملون من الناس كأصحاب مناصب رسمية حتى ولو تركوها وغادروها.. وكأن الناس تقيم بمناصبها وليس بقدراتها العلمية والفكرية وصفاتها الإنسانية وقيمها الإيجابية!
نحن الآن لا ننظر إلى المنصب على أنه عمل كلفنا به علينا أن نقوم به على أحسن وجه وإنما نراه ميزة يتميز به صاحبه على غيره من الناس.. ولذلك ليس مصادفة أن هناك وزراء سابقين ومحافظين سابقين يحلو لهم أن يناديهم الناس بلقب معالى الوزير.. وليس مصادفة أيضا أن يصر رؤساء مجالس إدارة سابقين ورؤساء جامعات سابقين على أن يقدموا عند الحديث في وسائل الإعلام بمناصبهم السابقة!
نحن للأسف صرنا نعلي من شأن المناصب ونتباهى بها ونصر على أن تستمر ألقابا لنا حتى بعد أن نغادرها تمييزا لنا عن الغير.. والأدهى أن هناك استجابة مجتمعية لذلك، ومن قبل جهات ومؤسسات تروج للقيم الإيجابية ومن بينها المساواة بين الناس.. لقد صارت بلدنا بلد مناصب وليست بلد شهادات كما كان يشكو فناننا الكبير عادل إمام في صدر شبابه.. فإن الشهادات لم تعد ترتب لأصحابها دخلا أكبر ومكانة اجتماعية أهم وإنما المناصب تفعل ذلك الآن، حتى المعاش الأكبر والمتميز يحصل عليه كل وزير سابق الآن!