موسم حرق القوة الناعمة
رمضان.. موسم حرق القوة الناعمة المصرية، اثنان وثلاثون مسلسلا تليفزيونيا تتناحر فيما بينها على كعكة المشاهدة، ينتهى الشهر الفضيل ونصوم طوال العام دراميا وكأن الدراما والفن لا مكان لهما إلا في الشهر الفضيل، تتوقف عجلة الإنتاج والتوزيع وننتظر الشهر التالي.
تحولت الدراما إلى مجرد شهر من الإعلانات المكثفة التي تتنافس هي أيضا على الشهر الكريم، صحيح لابد وأن تتحقق أرباح يستفيد منها المنتج للديمومة في العمل الفني بعد أن انتهى عصر الفن للفن أو إنتاج عمل فني كبير يحقق هدفا أسمى من فكرة الأرباح.
التزاحم الرهيب بين الأعمال الفنية يقضى على الهدف منها أصلا، وتتحول الشاشات إلى صراع دام تذبح على عتباته فكرة الاستهداف أو الوعى أو التأثير فتأتى الأعمال في معظمها مسوخا لا يترك أثرا رغم أن هذا الأثر هو الهدف الأسمى في الأعمال الدرامية.
بعض الأعمال تتحول إلى مجرد فقرات تتخلل الإعلانات فتفقد قدرتها على التركيز وتنتهى معظم هذه الأعمال بانتهاء الشهر الفضيل ولا يبقى من آثارها إلا القليل في حين أن هناك دولا عملت بدأب في طريق كنا نحن أساطينه وأباطرته وقادتها في المنطقة بأكملها فصاروا هم الأكثر تأثيرا ونفاذا إلى وجدان الشعوب.
حالة من التردى في الأفكار وحالة من السطحية في التعامل مع هذا الملف الشائك رغم تاريخنا وقدراتنا الفنية والبشرية ورغم البنية التحتية في مجال الفن والفكر والثقافة، حدث ما لم نكن نتوقعه وسيطر على الصناعة قانون الربح وليس غير الربح هدف إلا فيما ندر.
في زمن كانت الفكرة والقيمة والهدف هي ثالوث يتحكم في الصناعة كنا سادته ورواده والأعلى قدرا على غيرنا وها قد وصلنا إلى تسطيح القيمة واللهث وراء الأرباح والتناحر والاحتكار وحرق المنتج الفني في مقابل ملايين يتصور البعض أنها الهدف والمقصود.
الفن والثقافة قيم إنسانية تفقد دورها وتأثيرها إذا ما وضعت في قالب التجارة وليس شيء آخر غير التجارة، الأفكار الإنسانية لا يمكن قولبتها جميعها في وعاء الاستثمار المادى دون النظر إلى ما هو أبعد من ذلك.. النتيجة أن دولا جاءت بعدنا وسبقتنا وأصبحنا نحن ندور في نفق مظلم لا نهاية له.