رئيس التحرير
عصام كامل

خدعة صراع الهوية.. ردًا على الرسالة

في المقال السابق تحدثت عن الرسالة، التي وصلتني من إحدى القارئات، وهي صورة لمنشور أرسلته لي، مع تعليق لأحد الأشخاص عليها، بالإضافة إلى تعليقات منها شخصية، تنم عن قناعتها الكاملة، والتامة بما جاء في ذلك المنشور، ولأنه لم يكن في المستطاع التعليق، عليها في نفس المقال، ففضلت مناقشتها، والتعليق عليها، في مقال منفصل.


بدأت الرسالة بسؤال: "أنت مصري؟" واضح أن صاحب المنشور، يسأل بصيغة التهكم، وأقول له نعم إننا مصريون، ونفتخر، ونعتز، ونَشرُف بأننا مصريون.. فنحن أبناء، وأحفاد قدماء المصريين.. الذين صنعوا الحضارة، وعلموا العالم بأسره.


يكمل قائلًا: "دولتك إسلامية، وتتحدث تتكلم (مكتوبة هكذا في المنشور) العربية بالمقابل أنا لا أتكلم المصرية القديمة" وأقول له نعم دولتي بفضل الله، إسلامية، وهي التي صدّرت علم الإسلام للعالم، وهي التي خرج منها آلاف من العلماء، والأولياء الأجلاء الذين ملؤا الدنيا كلها، علمًا ونورا، ولنا الشرف أن نتحدث باللغة العربية..

 

فاللغة العربية  ليست حكرًا، على قوم، أو على دولة بعينها، ولا تعتقد أن قومك لهم فضل علينا، بأننا نتحدث باللغة العربية، بل الفضل فضل الله سبحانه، وتعالى، ولولا أن القرآن الكريم نزل من عند الله باللغة العربية، وأراد الله أن تكون الرسالة، بلسان عربي مُبين، لما كان هناك قيمة تُذكر للغة العربية، ولذهبت إلى غياهب النسيان، مثل كثير من اللغات القديمة.

خدعة صراع الهوية


يُكمل قائلًا: "لأن العرب فتحوا بلدك، وحكموك، وغيروا ثقافتك، ولغتك، ودينك للأبد، لدرجة أنكم نسيتوا أصولكم، وتنسبون نفسكم للعرب" وأرد عليه وأقول: لعلك لا تدرك أننا نحن المصريون أصل العرب، وأن فتح مصر، وتشريفها بدخول الإسلام كان أولًا، بإرادة الله سبحانه وتعالى، ثم ببشارة النبي صل الله عليه وسلم، الذي أخبرنا بفتح مصر، والذي أثني على أهلها، وجنودها. 

 

إن فضل مصر عليك، ليس بالعلم، والثقافة فقط، بل يمتد لحمايتك من الهلاك، فمصر هي التي قهرت التتار، والصليبين، والصهاينة، ولا تتخيل أن قومك، هم من غيروا ثقافة المصريين، بل إن الإسلام هو الذي غيرها، وهو الذي علمنا ما لم نكن نعلم، وشرفنا بأخلاقه، وشريعته، وآدابه، ولو كان هناك شيء يمكن أن يغير ثقافة المصريون، غير الإسلام لكانوا يتحدثون الآن باللغة الإنجليزية، بعدما دام الاحتلال البريطاني لبلادهم مدة (75) سنة تمامًا..

 

وبرغم ذلك لم يستطع ذلك الاحتلال الانجليزى أن يغير أو يؤثر على لغة المصريين، ولا ثقافتهم وأخلاقهم على عكس دول أخرى، استطاع الاحتلال أن يغير لغتها، وثقافتها، وها نحن نرى حال بعض المجتمعات العربية، بعدما استطاع الغرب أن يتغلغل داخلها، وأصبحت لقمة سائغة في فم الثقافة الغربية، تلوكها كيفما تشاء.


أما بالنسبة للرد الذي تم إرفاقه مع المنشور، قد جاء فيه نصًا "لغتك اللي أنت فخور بيها بدأنا نهجرها، وبنتعلم لغتنا القبطية من تاني.. خليها لك بقى" أرأيت عزيزي القارئ الكريم، مدى خبث تلك الفرية، التي بدأ البعض يروج لها، إن من يقف وراء هذه الخدعة، ويدعو إليها، ويروج لها يعلم تمامًا، أنه لو نجح في مبتغاه سيحقق انتصارًا، لم تستطع الآلة العسكرية أن تحققه من قبل.. 

 

إن من يروج لهذه الأكاذيب، لا تعنيه الهوية المصرية، في أي شيء، إنما يهدف لتفكيك الأمة العربية، وإحداث الوقيعة بين أبنائها بدعاوى، تثير الحمية، وتُحدِث الفتنة بين أبناء الأمة الإسلامية، بادعاءات وأكاذيب خبيثة، لأنه إذا ثارت الحمية بين الأخوة، دب الخلاف بينهم، وإذا حدث الخلاف زاد التناحر، وإذا تناحر الأخوة وقعت الفرقة، وتشتت الأمة، ووهن عزمها، وتفرق شملها، وإذا تفرق الشمل حدث الصراع.. 

 

 

فما الخير الذي يُرجى بعد ذلك من إخوة نشب بينهم صراع؛ وتفرقوا على أثره، كل منهم يظن أنه على الحق المبين، فأي لغة تلك التي هجرها المصريون، ومن ذا الذي يتعلم اللغة القبطية، حتى يترك اللغة العربية، وهل هناك وجه للمقارنة بين اللغة العربية أعظم، وأقوى لغة على وجه الأرض، وبين اللغة القبطية؟! 
وفي المقال المقبل إن شاء الله، سنعقد مقارنة بين اللغة العربية، والقبطية ونكشف الكثير من الحقائق، والأسرار حولهما، والتي أحسب أنها ستكون مفاجأة لكثير من الناس.

الجريدة الرسمية