رئيس التحرير
عصام كامل

دور برد.. وقلم مزكوم!

لما كنا نكتب بالقلم على ورق أبيض، أو ورق دشت، ورق الصحف قبل الطبع عليه، برائحته وملمسه وقطعه، أي مقاسه المحبب، كان يمكن للكاتب إذا حزبه أمر من القلق أو الخوف من مرض أو سلطة، أن يستخدم تعبيرا لطيفا جديدا وقتها، كأن يقول لقرائه: أكتب إليكم بنصف قلم، أي ليس بصراحته المطلقة المعتادة، أو بروح مترددة، أو يقول: أكتب إليكم بقلم مخنوق، أو متردد.. وهكذا.. 


واليوم صعب أن أنقل للقراء أن حروف البورد على الآي باد، مخنوقة، لأنها أسرع من خنقة روحك، أو احتباس الهواء في صدرك تحت وطأة دور برد ثقيل.. أكتب إليكم إذن وحروفى متلعثمة، في صدرى، متدفقة على اللوح الإلكتروني، ذلك أننى أعانى دور برد، اسم الدلع المنتشر للقاتل الشهير كورونا.


ولكلمة دور برد على اللسان المصرى تاريخ عريق، فالإنفلونزا اسمها من زمان قبل أن نعرف الوباء الفتاك، دور برد، ولما تكون الأم مثقفة شوية كانت تقول "الولد عنده نزلة برد", وأذكر أن علاجها كان بسيطا، كوب شاي ساخن معصور عليه ليمونة، وقرص أو قرصان ريفو، أو اسبرين، "وغطي الواد يا أم محمد حتى يعرق"، ونعرق ونقوم كما الحصان..

قلم مبحوح

ولما تكون هناك كحة، كان والدي يقص ورقتين من ورق الجرنال علي قد صدرى، ويبخ عليهم كحول، ويغطيني، وتزول الكحة.. تلك حلول بسيطة قد خلت، وعلاجات بسيطة قد سادت، ورب كريم يفيض بها ويبسطها على الناس.
واليوم، لا عاد البرد بسيطا ولا الناس بسيطة، لأن النفوس غير النفوس، والله فى علاه غير راض عن الكوكب الظالم أهله ظلما يقوده حثيثا إلى الظلمات.


ومن عجب أن السباح الماهر قد يقطع البحر طولا وعرضا وعمقا، ثم يغرق في ترعة، وهكذا حالى، فقد عبرت بفضل الله كل موجات كورونا، أصابت عائلتي، وجيراني، وقمت على خدمة أولادي بتفان وثقة أنى منيع بفضل الله طبعا، ولم أصب، ثم فجأة داهمنى دور البرد اللعين هذا.


بقلم موجوع إذن أكتب، من رأس مصدوع أتذكر صور العلاج القديمة والشفاء السريع، واستدعى، حالة الحنان العائلي، فالأم فوق رأسك، والأب والخالات، والأعمام والأخوال، كل العيلة تسأل وتطمئن، وزيارات الجيران، فيشبع المريض من الحنان فتقوى مناعته، ويشفى بحب جارف أحاطته به العيلة.


يوجد الآن حنان، ويوجد علاج، ويوجد فيروس يعلم أنه بعض حنان، وبعض علاج، وقليل من الاهتمام، وأداء واجب مظهرى، وتليفون سريع أو رسالة صوتية آلية، وكثير من الزيف، فالمرض يطول، والروح تثقل، والجسد يتهد والقلم يعافر لينقل وقع الضربات الداخلية في أنحائه المتداعية.. 

 


قرص اسبرين وكوب شاي عليه ليمونة معصورة، وغطاء ثقيل، وصور لوجوه حانية من حولك، يعقبهم شفاء.. ذلك ما كان، لكنه لا يصلح الآن، يعلم الفيروس أننا نستحق شراسته وهجماته بلا هوادة.. وموجاته.. عفوا، إنها نفثة قلم مبحوح.. شوية شاي من فضلك وعليهم ليمونة!

الجريدة الرسمية