ما بعد اتفاق الرياض وطهران
يمكن القول إن نجاح النموذج الصيني، قبل يومين، في إدارة عملية تفاوض إقليمية ذات شأن حساس بين السعودية وإيران. في بكين، هو بمثابة التدشين العملي لأخطر نتائج الحرب الروسية الأمريكية فوق الأراضي الاوكرانية، فلقد بدأت فعليا بشائر عالم جديد متعدد الأقطاب، تبرز فيه الصين كقوة عظمى فاعلة ومؤثرة ومثمرة دون ضجيج، بل دون ابتزاز.
خمسة أيام في بكين وتحت الرعاية المباشرة للرئيس الصيني شى جين بينج، وحضور ممثل الدولة الإيرانية الأدميرال علي شمخاني أمين المجلس الاعلى للأمن القومي الإيراني، وممثل الدولة السعودية الدكتور مساعد بن محمد العيبان مستشار الأمن الوطني السعودي، توجت بإعلان أدهش العالم.
فقد اتفقت الدولتان علي تبادل التمثيل الدبلوماسي الكامل خلال شهرين كحد أقصي، وتفعيل اتفاق أمنى معطل، واحترام الشئون الداخلية للدول، وتعزيز العلاقات، وقدمت الصين ضمانات، وطلبت إلى إيران تقديم ضمانات، وخرج الثلاثي الصيني والسعودي والإيراني متماسكي الأيدي، يعلنون عن يوم اسود في حياة إسرائيل!
بالطبع كانت روسيا حاضرة من وراء الصين ومع الصين وساعدت في دفع الإيرانيين إلى طاولة التفاوض والقبول، وبالطبع كانت الولايات المتحدة على علم، وهي بدورها أطلعت إسرائيل، من باب التخابر العضوى التاريخي..
ولقد رحبت امريكا ورحب العرب ورحب الاتحاد الأوربي بالاتفاق، ولكن معظم بيانات الترحيب تحسبت ألا ينفذ الجانب الإيراني ما تعهد بتنفيذه أمام الضامن الصيني، استنادا إلى تاريخ مزمن من الانفلات الإيراني من أي التزامات.
والحقيقة أن إيران أحوج ما تكون إلى الالتزام بهذا الاتفاق، فهي أولا تعاني اضطرابات داخلية عنيفة، في موجات من الاحتجاجات، ونداءات بمحاكمة الملالي كلهم، وتحرير المواطنين من حكم قهرى متشح بالدين، كما أن إيران بحاجة إلى استقرار إقليمي في محيطها، تتفرغ فيه إلى عدو يتربص بها، إسرائيل، ولن يسكت بحال عن خطته لتدمير البنية النووية الإيرانية، والمعروف أن طهران أوشكت تقريبا على بلوغ هدفها النهائي وهو الحصول على أول قنبلة نووية لها.
نتائج اتفاق إيران والسعودية
يترتب على الاتفاق بين الرياض والسعودية عدة نتائج جوهرية، أولها أن دول مجلس التعاون الخليجي سرعان ما ترتب اتفاقات مماثلة تستقر بها أوضاعها، وتزول معها أسباب التوتر والترقب، وتخفف الاستقطاب الاسرائيلي الأمريكي، ثاني أهم النتائج، أن نجاح الصين يمثل تنافسية عالية للولايات المتحدة، وحضورا قويا بلا ابتزاز في المنطقة، بل ضربة قوية لإدارة بايدن والديمقراطيين..
وهو ما قد يترتب عليه أن تفتح واشنطن الباب أمام محادثات جديدة في فيينا لإبرام إتفاق نووى مع إيران، في محاولة لتسجيل نجاح دبلوماسي تحتاجه إدارة بايدن المتورطة في حرب استنزاف للموارد والأموال الأمريكية في أوكرانيا، وهي النغمة القاتلة التي يرددها الجمهوريون طول الوقت في الكونجرس والإعلام.
ثالث النتائج، أن الاتفاق يفتح أبواب تسويات ترعي المصالح المختلفة سلميا في كل من اليمن أولا، ثم لبنان، ثم العراق، ثم سوريا. حيث لإيران نفوذ راسخ لم تتجاهله الرياض، فحزب الله في الدول الثلاث، والحوثيون في اليمن، وإيران ذاتها بقواتها في سوريا!
يراهن الجميع على النوايا الحقيقية عند التنفيذ، لكن ما تم قد تم بالفعل، والطرفان ومن وراءهما بحاجة إلى الاستقرار والأمن، تنهض به دول الإقليم دون توريط خارجي.
تبقى عدة أسئلة ضاغطة: ما موقف البيت الأبيض لو وجهت إسرائيل ضربة مدمرة للمفاعل النووي الإيراني؟ هل قصدت الرياض إبراء ذمتها، ودول الخليج، مبكرا من عمل اسرائيلي يقلب حسابات المنطقة رأسا علي عقب؟ هل تمنع إدارة بايدن رئيس الوزراء نتنياهو من هذه المغامرة؟ كيف ستمنعه وفيم إذن كانت زيارة لويد أوستن وزير الدفاع الأمريكي لمصر والأردن وإسرائيل؟
ويبقي سؤال أخير: إتفقتم مع إيران التى تشارك في حماية الأمن القومي السوري منذ عشرة أعوام، وكنتم ضد سوريا، فكيف لا تعجلون باتفاق يسترد غربة الدولة السورية والاعتراف بالأمر الواقع وهو أن بشار الأسد رئيس سوريا برضا الشعب السورى، ولا يطيح به الإ شعبه؟!
ونتابع.. الاتفاق الزلزال.