أدب المسلمين نحو خاتم المرسلين (2)
قال صلى الله عليه وآله وسلم، فيما رواه أنس بن مالك: “لا يُؤْمِنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولدِهِ، ووالدِهِ، والناسِ أجمعينَ”، أليس هو سيد الخلق أجمعين، ألم يرسله الله ليكون رحمة للعالمين، ألم يقل عنه رب العزة: "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"؟! ألم يكن حليمًا حييًا خفيض الصوت، ألم يتعرض للإيذاء حيًا من المشركين؟!.
ألم يتعامل معه بعض صحابته ببداوة فيها غلظة فقال الله جل فى علاه: "إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ"، بل إن رب العزة قال مخاطبًا كبار الصحابة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ".
وعندما كان بعض كبار الصحابة يقتحمون على النبي صلى الله عليه وسلم بيته دون استئذان فيؤذيه هذا، أنزل الله قرآنًا قال فيه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ".
سيدنا محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، هو النبي الوحيد الذي سيقبل أن يتحمل مسئولية الشفاعة العظمى يوم يقوم الناس لرب العالمين، في الوقت الذي يرفض كل الأنبياء والمرسلين التقدم لتحمل تلك المسئولية العظيمة، فيتقدم هو، صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول، مطمئنًا أمته، والعالمين: "أنا لها، أنا لها".
أدب الحديث عن رسول الله
يتحدث بعض المسلمين عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، بقليل من الأدب، وقليل من الاحترام، وبدون ذرة من الحب، ويتعاملون على أنه مات ولم يعد موجودً في حياتنا! ألم يقرأوا الحديث الشريف، عن أبي الدرداء: "أكثرُوا مِنَ الصَّلاةِ علِي يومِ الجُمُعةِ ؛ فإنَّهُ مَشْهودٌ تَشْهَدُهُ الملائكةُ، وإِنَّ أحدًا لَنْ يصلِّيَ عليَّ؛ إلَّا عُرِضَتْ عليَّ صلاتُهُ حتى يَفْرُغَ مِنْها. قال: قُلْتُ: وبعدَ الموتِ ؟ قال: إِنَّ اللهَ حَرَّمَ على الأرضِ أنْ تأكلَ أَجْسادَ الأنبياءِ عليهم السلامُ، [ فَنَبِيُّ اللهِ حَيٌّ يُرْزَقُ ].. (رواه الألباني)؟!
والحديث الصحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام"؟!
فكيف ينكر ذلك البعض؟! أولم يروا كيف كان الصحابة، رضوان الله عليهم، والتابعون، يتعاملون مع النبي، أثناء حياته، ومن بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى؟! ماذا سيخسرون إن أحبوا نبي الإسلام، الرؤوف الرحيم، واحترموه، وتحدثوا عنه بكل أدب، وهو فرض على كل مسلم ومسلمة؟!
وماذا سيكسبون من مخالفة الشرع الحنيف، الذي أوجب توقير رسولنا الكريم، وتعزيره: "إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا" (سورة الفتح)، وفي تفسير الآية, عن ابن عباسٍ؛ "وَتُعَزِّرُوهُ" يعني: الإجلال، و"وَتُوَقِّرُوهُ" يعني: التعظيم.
كما قرن اسمه، صلى الله عليه وآله وسلم، باسمه، سبحانه وتعالى، في الشهادة، فلا يصح إسلام أحد إلا بالاعتقاد، والنطق بالشهادة كاملة؛ أشهد ألا إله إلا الله، وأن سيدنا محمدًا رسول الله. ومن الغني عن البيان ما ينتاب بعض المسلمين إذا ما سمع أحدًا يسود رسول الله، سيدنا محمدًا، فيقول: "سيدنا رسول الله، أو سيدنا محمد"، ويخاطبونه، صلى الله عليه وآله وسلم، باسمه مجرَّدًا من لفظ السيادة.
ألم يعلموا أن الله سبحانه وتعالى نهانا أن نخاطبه، صلى الله عليه وآله وسلم، كما يخاطب بعضُنا بعضًا فقال سبحانه: "لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا" (النور: 63)، قال قتادة: “أَمَرَ الله عَزَّ وَجَلّ أنْ يُهَابَ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَنْ يُبَجَّلَ وَأَنْ يُعَظَّمَ وَأَنْ يُسَوَّدَ”، ولماذا يستنكرون أن يقال عن النبي، صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم صل على كاشف الغمة"؟!، مثلًا.