أدب المسلمين نحو خاتم المرسلين (1)
على كل مسلم واجب شرعي تجاه نبي الإسلام، صلى الله عليه وآله وسلم.. ونعني به الأدب في الخطاب، وخفض الصوت؛ حقيقة ومجازًا عند الحديث والحكاية عن خاتم المرسلين، صلوات ربي وتسليماته عليه. "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ"..
ينبغي أن يشعر السامع والمشاهد بحلاوة الحب الذي يحمله كل قلب مسلم لرسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم.
ولكن لماذا لا نحس، ولا نجد مشاعر الحب المفترضة تجاه نبي الإسلام، لدى البعض، وقد يكونون ممن يزعمون التدين؟! مشاعر الحب التي يحملها كل المسلمين، من جميع الجنسيات، والأعمار، والمستويات، مهما كان الانتماء الفكري، والمذهبي.. تلك المشاعر غائبة عند البعض، لماذا؟!
إذا استمعت إلى خطب ودروس عدد من الشيوخ، لاسيما من المتشددين، تفاجأ بأنهم يتحدثون عن النبي المصطفى العظيم، صلوات ربي وتسليماته عليه، وعلى آله وصحبه، بجفاء غريب، وخشونة مستهجنة، لماذا؟!
نبي المرحمة، شفيع الأمة، الذي لولاه لما عرفنا الله، سبحانه وتعالى، ولما أسلمنا، ولا آمنا.. نبينا الهادي، الذي تحمل ما علمنا من عذابات، وما لم نعلم من متاعب ومصاعب؛ من أجل توصيل الرسالة، وتبليغ الأمانة.
حب رسول الله
نبينا، الذي وصفه المولى، عز وجل، بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، حتى أنه، صلى الله عليه وآله وسلم، كاد ينفطر ألمًا وحزنًا على رجل مات على اليهودية. جاء في البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى، قَالَ: كَانَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ قَاعِدَيْنِ بِالْقَادِسِيَّةِ, فَمَرُّوا عَلَيْهِمَا بِجَنَازَةٍ, فَقَامَا, فَقِيلَ لَهُمَا: إِنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ - أَيْ: مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ - فَقَالَا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ, فَقَامَ, فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ, فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا.
وروى الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه أيضًا من حديث أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ, فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ, فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ, فَقَالَ لَهُ: أَسْلِمْ, فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ - وَهُوَ عِنْدَهُ - فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ, فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ.
تلك اللحظة من أسعد لحظات نبي الهدى، صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن هدفه هو إنقاذ الناس من النار، إلى الجنة، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.. فماذا بين المتشددين وبين رسول الله؟!
حب رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، واجب على كل مسلم، والأدلة على ثبوت وجوبه كثيرة، ومن ذلك قول الله سبحانه الذي جمع في آية واحدة كل محبوبات الدنيا، وكل متعلقات القلوب، وكل مطامع النفوس ووضعها في كفةٍ، وحب الله، وحب رسوله في كفةٍ: “قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ”. (التوبة).
قال القاضي عياض: “فكفى بهذا حضًّا وتنبيهًا ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم؛ إذ قرّع تعالى من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثم فسّقهم بتمام الآية فقال: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}، وأعلمهم أنهم ممن ضل ولم يهده الله عز وجل. فهذه آية عظيمة تبين أهمية ووجوب هذه المحبة. ويأتينا دليل عظيم وبليغ في قول الحق: "النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ". (الأحزاب).
انظر إلى قصة سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه؛ فقد كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: “يَا رَسُولَ اللَّهِ، لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي”، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: “لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ”.. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: “فَإِنَّهُ الْآنَ، وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي”، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “الْآنَ يَا عُمَرُ” رواه البخاري.