الأزمة المالية وضريبة رد الجميل
رغم أن مجلس الشيوخ ليس من مهامه اقتراح قوانين وتشريعات إنما مناقشة وإصدار توصيات بشأن مشروعات القوانين العامة المحالة إليه من مجلس النواب صاحب الحق الأصيل فى تشريع القوانين عامة وخاصة إلا أن البعض أحيانا يأخذه الحماس والاندفاع تحت القبة ليقع فيما لا يجب أن يقع فيه الشيوخ الذين ننتظر منهم دائما الحكمة في القول والعمل وفق الامانى الشعبية والرسمية أيضا، ووفق الدور الذى رسمه الدستور في أحكامه.
وهو ما لم يأخذه في الحسبان شيخ المحامين الجليل المستشار بهاء الدين أبو شقة وكيل مجلس الشيوخ في اقتراحه المثير للجدل خلال الساعات الماضية بفرض ضريبة على المصريين العاملين في الخارج، أو حتى كما برر خلال توضيحه المتراجع وإن لم يتراجع في حقيقته عن الاقتراح بل أكد وأصى بأنه يجب أن يكون هناك حق للدولة ممثلة في نسبة مئوية لما يحصل عليه، بداعى أن الدولة هي من قامت بتنشئته وتعليمه وتربيته، أو حتى بدافع استنهاض الهمم لمواجهة الأزمة المالية التى تواجهها البلاد مؤخرا.
حكم باطل
وما أثار استغراب المتابعين لأطروحة وكيل المجلس الموقر بفرض ضريبة على العاملين بالخارج أنه رجل قانون ومؤكد أنه يعلم أنه سبق للمحكمة الدستورية أن ردت في حكم بات وقاطع عام 94 على تغول الحكومة ووزير ماليتها الراحل الدكتور محمد الرزاز على مستحقات العاملين بالخارج بفرض ضريبة على عقود تشغيلهم في خارج البلاد وقررت أنه باطل دستوريا.
وزادت المحكمة الدستورية العليا وأمرت برد كل المستحقات التى كانت قد حصلتها بالفعل مصلحة الضرائب من شقى وعرق العاملين خارج البلاد على مدار نحو خمس سنوات، وهو ما التزمت الحكومة وقتها بتنفيذه بالرد مما أحدث إرباكا شديدا لجهاز الضرائب ولموازنة الدولة وقتها.
خاصة وأن جملة المستحقات التى تم ردها تخطت المليار ونصف بحسب تقديرات مصلحة الضرائب وقتها في وقت كانت الدولة تمر بأزمة مالية أيضا وهى تنفذ خطة إصلاح مالى واقتصادى طموحة للخروج من مأزق الفشل الاقتصادى الممتد من سنوات حرب أكتوبر المجيدة إلى نهاية حقبة الثمانينات من القرن الماضى.
الأمر الذى دفع رئيس الجمهورية الأسبق إلى المسارعة بإصدار قانون بقرار جمهورى بإلغاء تنفيذ قاعدة الأثر الرجعى في رد أموال دخلت الخزانة العامة وفق تشريعات باطلة دستوريا تلافيا لحدوث إرباك مالى في تنفيذ موازنة الدولة، خاصة وأنه في الأثناء صدرت أحكام أخرى للدستورية العليا أيضا برد مستحقات ضرائب على الأراضى الفضاء وضريبة التركات وغيرها كادت أن تضع الحكومة في موقف لا تحسد عليه.
ورغم كل ما حدث من تداعيات سلبية خطيرة لمثل تلك العلاجات الجائرة للخروج من أزماتنا المالية المتلاحقة يبدو أننا لم نتعلم الدرس، ولازالت أفكار المجاملة للحكومة في مواجهة أزماتها تمارس من المجلس التشريعى المعنى بالأساس بتصويب توجهاتها وأدائها لصالح جموع المواطنين حتى لو كان المعنيين شريحة محدودة.
مجاملة للحكومة
ولكنها مهمة جدا من شرائح الشعب اختارت الطريق الصعب لتدبير قوت أفراد أسرتها أو بناء مستقبلها على أرض المهجر خارج البلاد، وتدفع في المقابل ما هو أغلى من عرق ودم ومهانة في بعض الأحيان وتوفر لبلادنا ما هو أثمن من عوائد ضريبة سواء بتعريف رد الجميل أو من باب استسهال الإعتداء على حقوق الملكية الخاصة للغير.
تلك شريحة من المواطنين اختارت الطريق الصعب لتعيش وتوفر عائد هو الأعلى حاليا بين مصادر تدفقات النقد الأجنبي المحدودة نتيجة فشل توصياتكم وتشريعاتكم عبر سنين طويلة كما أنها توفر لمن بالداخل فرص التشغيل المتاحة وتوفر في استهلاك كل المرافق وغيرها من خدمات تنفق عليها الدولة المليارات سنويا.
والحقيقة الغائبة أن رد الجميل واجب على فئات أخرى عريضة منهم المهنيين محامين ومهندسين وأطباء واعلاميين وفنانين وغيرهم إحتارت معهم كل جهود جهازنا الضريبى لمحاصرة إدمانهم التهرب من الضرائب بنسبة تتخطى 85% عبر عقودهم المضروبة في مقابل التزام ضريبى بنسبة 100% للموظفين من أصحاب الدخل الحكمى الثابت محدودى الدخل.
ومن باب العشم أيضا التوصية للحكومة ببحث أسباب التراجع الملحوظ في أرقام تحويلات العاملين بالخارج هذا العام عن الأعوام السابقة وعلاقة ذلك بتآكل القيمة النقدية للمدخرات البنكية بفعل التضخم وخفض القيمة الشرائية للعملية المحلية التى لا تعالجها أبدا قرارات فجائية برفع سعر الفائدة البنكية بين الحين والآخر.
ومن باب العشم أيضا ورد الجميل أن يبحث مجلسنا الموقر مع حكومته حلول غير تقليدية للأزمة الطاحنة بجوانبها المتعددة ليست في الغلاء والخبز المر وحده وإنما الإنتاج والتشغيل وتدفقات الاستثمارات الجديدة من الداخل والخارج وآثارها المدمرة على عموم الشعب.. ليس بالعشم تحيا الأمم.