وزير في مهمة صعبة!
ما من جولة مفاجئة يقوم بها وزير الصحة الدكتور خالد عبد الغفار في المستشفيات والمراكز الصحية التابعة لوزارته إلا ويجد العجب العجاب؛ فثمة فوضى وتغيب عن العمل وسوء نظافة وتكدس للمرضى أمام شباك التذاكر والعيادات الخارجية..
وهذا بلا شك عرض لمرض متجذر في جهازنا الإداري سببه الأول سوء الإدارة، مضافًا إليه ترهل المنظومة الصحية التي تعاني آفات مزمنة لا ذنب للوزير الحالي في تفاقهما، بل لعله -أي الوزير- غير راضٍ عنها ويرغب في تغييرها بحسبانه من الوزراء القلائل الذين ينزلون للميدان ليباشر مهامه على أرض الواقع ويتابع ما يقدمه مرؤوسوه من خدمات مهمة وضرورية للمواطنين، ولا يكتفي بتقارير مكتبية غالبًا ما تزين للمسئول -أي مسئول- أن "كله تمام"!
كان الله في عون وزير الصحة الذي ورث منظومة تعاني أمراضًا مزمنة؛ فثمة نقص واضح في الأطباء والتمريض، وتلك معضلة خطيرة تحتاج لحلول سريعة وناجحة لوقف هذا النزيف في عقول مصر الفذة، ناهيك عن العجز الصارخ في تخصصات نادرة مثل التخدير وطب الحالات الحرجة وبعض الجراحات الدقيقة..
ذلك أن معظم أعضاء الفريق الطبي الحكومي اضطروا إلى الهجرة بحثًا عن عمل برواتب أفضل في دول عربية وأجنبية جراء تدني أجورهم في مصر؛ وهو ما آن الأوان لتداركه والبحث عن حلول مناسبة لاسترجاع الطيور المهاجرة والكفاءات الوطنية من الخارج.
وظني أن التأمين الصحي الشامل يمكنه تغيير خريطة مصر الصحية للأفضل إذا ما تم الإسراع بتطبيقه بجودة عالية.
أزمات القطاع الطبي
ويبقى الإهمال الطبي وغياب الضمير لدى بعض الأطباء وإدارات المستشفيات معضلة أخرى؛ فالأزمة ليست فقط أزمة تمويل بقدر ما هى أزمة ضمير وإدارة وقانون يتساهل مع المخطئين ونقابة لم يثبت أنها سعت لتفعيل مبدأ الوقاية ومنع وقوع الأخطاء بمزيد من الإجراءات الرقابية والاحترازية على غرار ما نراه في دول العالم المتقدم..
وثمة أزمة أخرى يعانيها قطاعنا الطبي ألا وهى عدم كفاية غرف العناية المركزة وأقسام الطوارئ والاستقبال والحضانات المجهزة بالمستشفيات جميعًا بصورة تنذر بمزيد من المخاطر حال استمرارها على هذا النحو؛ فضلًا عن نقص بعض الأدوية والأدوات الطبية.
لا مناص من تفرغ الأطباء تمامًا للعمل في المستشفيات بعد تدريبهم وتأهيلهم وتعويضهم ماديًا بحيث يحظر عليهم فتح عيادات خاصة هنا يمكن الحصول على خدمة طبية بمواصفات عالمية.
وإذا كانت زيارة واحدة مفاجئة للوزير لمركز صحة أهالينا بمدينة السلام، ومستشفى السلام التخصصي التابع لأمانة المراكز الطبية المتخصصة وهما في العاصمة كشفت عن كل هذا القصور والفوضى وعدم التزام الأطباء والإداريين فيهما بالحد الأدنى من مقتضيات الوظيفة العامة.. فكيف يكون الوضع في الوحدات الصحية بالأرياف وأقاصي الصعيد.. ظني أن الأداء هناك في المستشفيات والوحدات والمراكز الصحية أكثر بؤسًا ومأساوية.
الوزير رصد خلال جولته مخالفات بالجملة في مركز صحة أهالينا، ووجه بالتحقيق فيها مع المسئولين؛ حيث غابت مديرة المركز دون مسوغ للغياب، وكان طبيعيًا والحال هكذا أن تسري الفوضى في جنبات المكان وأن يتكدس المواطنون أمام شباك التذاكر في ظل وجود موظف واحد..
وهو ما دعا الوزير الدكتور خالد عبد الغفار لتكليف رئيس أمانة المراكز الطبية المتخصصة بفتح تحقيق فوري فيما تم رصده أثناء الزيارة من مخالفات، أظنها موجودة في كثير من مستشفياتنا ومرافقنا الحكومية وتحتاج لتغيير الثقافة والسلوك وصحوة الضمير.. فمتىِ يتحقق ذلك؟!