استقالة الوزراء.. فريضة غائبة!!
تصادم قطاران في اليونان فبادر وزير النقل بتقديم استقالته من فوره ثم سارع رئيس وزرائه بزيارة مكان الحادث للوقوف على حجم الكارثة ومساندة أهالي الضحايا.. استقالة الوزير تصرف مسئول، يعكس مدى إحساسه بحجم المسئولية السياسية وتسليمه بالخطأ واستعداده لتحمل عواقبه دون جدال أو تذرع بحجج واهية كما يحدث عندنا.
مثل هذه المسئولية السياسية فريضة تكاد تكون غائبة في مجتمعاتنا.. وهذا هو الفرق بين وزير سياسي يدرك حدود ومقتضيات وظيفته وأنه المسئول الأول عن كل خطأ كبر أو صغر يقع من موظفين تحت رئاسته.. وبين وزير تكنوقراطي يكابر ويتذرع تارة بتهالك عناصر منظومة السكة الحديد من مزلقانات عفا عليها الزمن وسيمافورات وإشارات معطوبة دون أن يرى نفسه مخطئًا ثم يعاود أدراجه ليغرق في تفاصيل يومية تحول دون نزوله للميدان ومعاينة شئون وزارته على الطبيعة..
وهنا تغيب عنه الرؤية وينعدم حسه السياسي فلا يقيم وزنا لردود أفعال الناس ولا مدى رضاهم أو سخطهم على أداء وزارته، ولا يشعر حتى بالتقصير أو بالذنب إن تسبب بتقاعسه وإهماله في إزهاق أرواح أبرياء ساقهم حظهم العاثر للوقوع في مرمى الإهمال والبيروقراطية.
كثيرة هي حوادث الطرق والقطارات في مصر منذ عقود.. ولعل نظرة فاحصة أو متعجلة لأرقام ضحاياها تدلنا بوضوح أنها من أعلى المعدلات العالمية.. وكم من وزراء نقل عندنا وقعت في عهودهم حوادث تصادم قطارات وسيارات يشيب لها الولدان وراح ضحيتها عشرات المصابين والقتلى دون أن يطرف لهم جفن..
لكنهم بقوا يباشرون مهامهم وكأن شيئا لم يحدث متذرعين تارة بعامل مزلقان نام عن أداء وظيفته أو تقادم وتهالك نظام الإشارات والسيمافورات والجرارات والعربات.. ولا أدري لماذا قبل هؤلاء الوزراء أصلا مناصبهم رغم علمهم بخطورة ما ينتظرهم من أمانة جسيمة ومنظومة تحتاج لرؤية وحلول خلاقة لتفادي الحوادث ومنع الكوارث.. فإن علموا وقبلوا بتولى الوزارة على ما فيها من أعباء لا طاقة لهم بها فتلك مصيبة وإذا لم يكونوا يعلمون فالمصيبة أعظم.
استقالة الوزير إذا ما وقع خلل جسيم في نطاق مسئولياته ثقافة لا يعرفها أهل الشرق من تلقاء أنفسهم وإنما يدفعون إليه دفعا.. بينما تتجذر تلك الثقافة في الغرب الذي تنشط فيه أجهزة الرقابة الشعبية سواء في البرلمان أو الإعلام؛ فتحاسب بلا هوادة بحسبانها ضمير المجتمع ومناعته القوية التي تقبل بأنصاف الحلول.