عندما يصبح الكوبرى غاية!
اركب سيارتك وتعالى معى فى جولة لأغرب كبارى مصر، ولن أحدثك عن ذلك الكوبرى، إذ كان حديث مواقع التواصل الاجتماعى عندما عانق شرفات منازل الأهالى دون مبرر منطقى أو عقلى.. أيضا لن أحدثك عن كبارى الساحل الشمالى التى تحتاج إلى كتالوج للسير فوقها، ولن أحدثك عن كبارى اليوتيرن فى وسط الصحارى بضخامتها المثيرة رغم عدم الحاجة إليها.
أنت تسير بسيارتك من خلفى عند منطقة نزلة السمان قاصدا محور ترسا العبقرى والموازى لشارع الهرم، ستصعد كوبرى ضخما يعبر بك إلى قلب ترسا منطلقا إلى العمرانية، وقبيل العمرانية بعدة أمتار ستصعد أضيق كوبرى فى العالم، وهذا ليس الأغرب رغم ضيق عرضه بشكل مثير للغاية، اعبر الكوبرى الضيق وانطلق إلى العمرانية ستجد أمامك كوبرى عرضيا، وقبل أن تتوه وتضيع ركز فى السير إلى اليمين.
هنا مفاجأة أكثر إثارة.. طريق ضيق على اليمين ومطلع كوبرى لم يفتتح بعد على اليسار.. لا عليك امض إلى اليمين وامض بسيارتك من تحت هذا الكوبرى يسار لتلف بسيارتك إلى اليسار مرة أخرى ثم إلى اليمين.. ركز ولا تضيع الطريق وامض إلى اليمين ستجد كوبرى ليس أكثر ضيقا من الأول.
اعبر إلى اليمين ستجد ملفا إلى اليسار، ومنه إلى اليمين، لتمر من شارع شعبى أكثر ضيقا، وفى النهاية أنت وصلت إلى شارع البحر الأعظم، امض إلى اليمين لتصعد الطريق الدائرى من ناحية المنيب وقبل الصعود ستجد كوبرى أغرب من الكل يأتى من أعلى الدائرى لينقل الناس إلى طريق المنيب، وهنا ستجد نفسك فى حيص بيص.
كبارى من أجل الكبارى
لا ضرر، ستجد نفسك فى طوابير للسيارات بعضها سيمضى إلى المنيب وطريق أسوان الزراعى، وبعضها سيدلف إلى اليسار ليعود إلى الجيزة، وبعضها سيمضى مائة متر ويمضى إلى اليسار أيضًا ليصعد الدائرى إلى ناحية التجمع.
أنت الآن فى مشهد بديع فوق نيل مصر الخالد، وتمر مستقيما لتشق منطقة عزبة خير الله، وعند البساتين ستجد كوبرى إن اعتليته فأمامك طريق إلى اليسار يمضى بك إلى متحف الحضارة والسيدة عائشة، وإن مضيت مستقيما سينزل بك على نفس الطريق الذى كنت تسير عليه قبل لحظات سبحان الله.
إن مضيت إلى اليسار حيث متحف الحضارة سيواجهك كوبرى أضيق من حارة سيدهم يعبر بك إلى نيل زهراء المعادى، وإن مضيت إلى السيدة عائشة سيواجهك كوبرى السيدة المعدنى المتهالك ليوقف مسيرتك تماما.. لا تشغل بالك بالتفاصيل، ولا تلتفت إلى الكوبرى التالى الذى يعبر بك إلى المعادى، وامض فى طريقك إلى التجمع، وإلزم اليمين، فهنا مدخل التجمع الخامس وعلى يسارك مبنى القاهرة الجديدة.
على بعد كيلو مترين كانت هناك «صينية» ضخمة إن دخلت منها إلى اليمين فأنت فى إسكان شباب التجمع الخامس، وإن مررت من ربع الصينية أنت فى طريقك إلى الجامعة الألمانية، وإن مضيت إلى اليسار فأنت فى طريقك إلى جامع الشربتلى.
هذه الصينية التى لم تمثل عقبة فى طريق السيارات يوما أصبحت لغزا محيرا، ستجد فوقها كوبرى.. نعم كوبرى فوق الصينية، إن مضيت فوقه فأنت فى طريقك إلى جامع الشربتلى، وإن مضيت بجوار الكوبرى فإن الله معك.. بعد جهد جهيد وعناء السنين ستجد طريقك إلى الجامعة الألمانية وإلى الغابة المتحجرة التى اختفت فى ظروف غامضة، نعم اختفت وبنيت عليها عمارات شاهقة.
سر بسيارتك مستقيما إلى منطقة سفنكس وعند مسجد «الرحمن الرحيم» ستجد نفسك أمام كوبرى أعجب من العجب، هو بطبيعة الكبارى صاعد وهابط، ولكن إلى أين ولماذا؟ لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تسؤكم!
أنهكتنى الرحلة بالفعل، وأنهكنى أكثر التساؤلات عن أسباب بناء كبارى دون حاجة، أو أن تصب السيارات فى مناطق أكثر ضيقا أو يصبح وجودها مثار تساؤلات: لماذا وإلى أين؟ ورغم الإنهاك والغموض إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل الطفرة المدهشة فى الطرق والكبارى، ومع ذلك يبقى التساؤل: من خطط لهذه الكبارى، ومن الذى قررها بهذا الشكل، وهل الكبارى وسيلة أم غاية؟