كفاية مساجد
لم يكن اليوم مثل كل الأيام، فبعد أن اشتعل سعر الدولار باتت غرف الأخبار تتلمس كل ما هو جديد عن الوضع الاقتصادى بين اتصالات بخبراء أو الاطلاع على تقارير دولية أو الاجتهاد حسب المصدر الذى يقوم الصحفي بتغطيته.
ماكينة الأخبار اختطفها الوضع الاقتصادى الحساس، نتلمس خيط نور قادم في أيام عصيبة ونسعى لتقديم تحليلات شافية أو إيجابية انطلاقا من أن دور القائم بالاتصال ليس إثارة قلق الجماهير.. غير أن المهمة صعبة للغاية، فليس مطلوبا من الصحفي أن يصطنع تقارير كاذبة والحقيقة مرة بمعنى الكلمة، غير أننا نؤمن أن الخروج من الأزمة ليس أزمة.. نعم يمكننا الخروج بتدابير رصينة وعاقلة وواقعية.
كان محرر شئون الرئاسة يعد خبرا قادمًا للتو، تصريح للسفير بسام راضى وجه فيه الرئيس وزارة الأوقاف بإنشاء مساجد كبرى بالمحافظات لتكون منارة تنشر صحيح الدين مع الاهتمام بالمقارئ وزيادة جوائز حفظ القرآن الكريم إلى مليونى جنيه.
أثار الخبر حفيظتى للأمانة، فحركت فأرة جهاز الكمبيوتر إلى محرك البحث جوجل استرشادًا به حول عدد المساجد في مصر، فلم أجد رقما وحيدا محددا، دلفت إلى موقع وزارة الأوقاف وللأسف الموقع سطحى ولم أجد به غايتى.
ولم أجد مصدرا موثوقا لعدد المساجد، فالأرقام المبعثرة في مصادر ثانوية ربما ليست ذات ثقة كبيرة تحدد عدد المساجد في مصر ما بين ١١٤ ألف مسجد و١٤٠ ألف مسجد تنتشر في ربوع مصر كلها.
عدد المساجد في مصر
ولأننى لم أطمئن إلى هذا الرقم تواصلت مع مصادر ذات ثقة بوزارة الأوقاف، وكان الرد بدقة متناهية ١٥١ ألفا و٣٤٥ مسجدا. ولم أكن بحاجة إلى محركات البحث لمعرفة حال المساجد، فحالها «يصعب على المؤمن وغير المؤمن»، فمستوى النظافة حدِّث ولا حرج بالرغم من أن بكل مسجد خادم ومقيم شعائر وإمام، وقد يزيد الرقم في كثير من المساجد.
استعنت بذاكرتى الرياضية وأخذت متوسطًا للرقمين فجمعتهما وقسمتهما على اثنين، وكان الناتج حوالى ١٢٧ ألف مسجد بالتمام والكمال، بينهم حوالى مائة ألف مسجد كبير، والباقى زوايا منتشرة في الحارات والشوارع. ولم أتوقف عند هذا الحد، واتجهت مباشرة إلى موقع وزارة التعليم دون تربية، وتبين لى أن لديهم رقما محددا لعدد المدارس الحكومية والخاصة، إذ بلغ عدد المدارس الحكومية ٤٩٠٦٧ مدرسة، بينما وصل عدد المدارس الخاصة ٩٧٤٠ مدرسة، بإجمالى عدد المدارس كلها ٥٨٨٠٧ مدارس فقط.
وأيضا لم أكن في حاجة إلى مراكز معلومات لمعرفة كثافة الفصول التى وصلت إلى حد لا يُطاق ورقم صعب للغاية؛ ١٢٠ تلميذا في الفصل الواحد، كما لو كانت علب سردين، وهو ما دفع التلاميذ وأهاليهم إلى هجرة المدارس والإقبال على مراكز الدروس الخصوصية التى تقدم منتجا تعليميا أرقى من الحكومة.
عدد المستشفيات في مصر
كلنا يعرف كثافة المساجد، فأنا شخصيا أصلى الفجر مع عشرة في مسجد كبير، وربما يرتفع هذا الرقم إلى ضعفين في صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء، أما صلاة الجمعة فالرقم كبير فعلا. وماذا عن عدد المستشفيات الحكومية في مصر؟ لم يزد العدد عن ٦٩١ مستشفي فقط لا غير، إضافة إلى ١١٥٧ مستشفي خاصا، وعدد أسِرَّة القطاع الحكومى ٥٩ ألف سرير، بينما لم يزد عدد الأَسِرَّة في القطاع الخاص على ٣٥ ألف سرير، وهذا الرقم الضئيل بين الحكومى والخاص يعالج أكثر من مائة مليون نسمة!
وانطلاقا من هذه الأرقام الحادة والواضحة والكاشفة نظن أن مصر ليست بحاجة إلى مساجد كبرى، على العكس من ذلك فمصر بحاجة إلى إنشاء غرف عناية مركزة نعانى بسببها وتضيع الأرواح لندرتها. مصر بحاجة إلى إنشاء حضَّانات للمواليد ناقصى النمو لأن الأرقام لدينا هزيلة وتدعو للأسف، مصر بحاجة إلى إنشاء مدارس تعلم الناس وتعبُر بهم إلى آفاق أوسع وأكثر رحابة.
مصر تحتاج إلى استغلال مراكز الشباب والمساجد لتصبح في غير أوقات عملها مدارس تطارد الجهل وتمحو الأمية وتعلو بالوطن، فما أكثر مساجدنا وكنائسنا.
ودون أن أتحمل عناء البحث فإن متابعتى اليومية تؤكد أن الطفرة التى شهدها حكم السيسى في بناء المساجد وصيانتها وبناء الكنائس وصيانتها لم تحدث من قبل، وهو الأمر الذى يدعونا إلى مطالبة الرئيس بحقبة تعليمية وصحية تتوازى مع ما جرى في مساجد وكنائس مصر.
وأظن أننا قادرون على الفعل، فما حدث من عبور عظيم في مواجهة فيروس سي يزرع في نفوسنا أملا صحيا وتعليميا جديدا يفرض علينا أن نقول: لسنا بحاجة إلى مساجد.