متسمعش كلام بابا! (2)
اسمع كلام صاحبك! أنت صح! متسمعش كلام والدك ووالدتك! أنت مش صغير دلوقت! من حقك تفرح وتعيش سنك!
من حقك تختار شريك/ شريكة حياتك! أنت اللي هتتجوز مش هما! اسمعني بس أما أقوالك، أصلك مش فاهم! إيه ده هو أنت لسه نونو تنتظر الموافقات! أمتى هيترفع حظر التجوال ده!
جمل وكلمات لا تعد ولا تحصى، ليست وليدة اليوم، بقدر ما هي معتقدات تتوارثها الأجيال يوما بعد يوم على سبيل العادة والتقليد والشعور بالتحرر والرشد دون إعمال لذرة من عقل أو نبضة من قلب! وأكثر ما يلفت الانتباه، هو إيمان الشباب بأن التمرد والذي يدعونه بالاستقلالية -من وجهة نظرهم- هو أساس تكوين الشخصية والنجاح وأن أول من يجب أن نتمرد عليهم هم الأسرة والوالدان تحديدا!
ومن أشهر موضوعات التمرد هو اتخاذ قرار الارتباط! فجأة وعلى غير توقع وفي أمان الله!نجد الشاب أو الفتاة يدخلون على الأسرة في ساعة صفا على سبيل المفاجأة قائلين: بابا أنا عاوز أتجوز فلانة أو بابا فيه شاب متقدملي وأنا موافقة ومقتنعة بيه جدا.
وعندما تبدأ الأسرة بكل نية طيبة في مباشرة حق التساؤل والاستجوابات المشروعة عن هذا الشخص مثلا أو عن أي تفصيله تخصه ولو بسيطة، تبدأ المشادات ويبدأ الغضب يسيطر على الأبناء شيئا فشيئا وتتزايد الانفعالات واحدة تلو الأخرى حتى ينقلب الموضوع لأزمة كبرى تحتاج إلى تدخل أشخاص آخرين من خارج الأسرة!
مراية الحب العمياء
ووسط هذا السجال، ينسى الأبناء كل شيء، ينسون الحق والفضل، وينسون أوامر الله الكريم ولا يفكرون إلا في ذاتهم فقط! فيرى الإبن أو الإبنة ومضات الديكتاتورية -من وجهة نظرهم- ويسمع نبرات التسلط أو الأنانية كما يظن ويعتقد!
يجرح الأبناء والديهم وربما يشعرونهم بضآلة مكانتهم وصغر معزتهم خاصة عند قيامهم بوضعهم في نفس الكفة مع قراره هذا الذي لا يزال قيد الدراسة لتأسيس حياة وما زال يحتمل الخطأ أو الصواب.
ويبدأ الأبناء في إعلان الاستقلال عنهم شيئا فشيئا سواء أكان ماديا أم معنويا وربما يغصبهم على الزواج، ولا يبقى سوى الندم على الفراق وغضب الله قبل أي شيء، وهذا يحدث في الواقع ونسمع به للأسف وليس كلاما دراميا..
وهنا يأتي السؤال، لماذا يتغافل شبابنا عن أهم ثلاث نقاط؟!
الأولى: أن الإبن جزء لا ينفصل عن الأسرة وأن أبناءه هؤلاء سيكونون ذرية آبائه وبالتالي فالأسرة لها الحق الكامل في اختيار هذا الشريك وتقرير مصير هذه الأسرة الكبيرة وذريتها القادمة وليس الشخص بمفرده، والدليل على صحة كلامي، الفرقة التي تحدث في الأسرة بسبب بعض أزواج الأبناء، أو اتخاذ قرارات تفرض على الأسرتين الانقسام والفرقة..
النقطة الثانية: هل يظن الشاب بمنظوره الضيق جدا أن أبويه أنانيان ولا يريدون سعادته؟! قل لي أهذا يتماشى مع المنطق؟! أم ما يحدث دوما يكون سوء تفاهم ناتج عن تمسك الشاب أو الشابة الشديد برأيهما وخبراتهما الضئيلة في الحياة وسلطويتهما وأنانيتهما في اتخاذ القرار، ومراية الحب العمياء التي تخدعهم..
والنقطة الثالثة وهي الأهم كيف يمكن أن نضع الأب أو الأم أساسا في مقارنات مع أى فرد في الكون؟ وكيف يمكن أن تباع غلاوتهم في لحظة وننسى كل شيء من أجل معرفة جديدة لم تبدأ سوى من فترة قصيرة، بل كيف نتجرأ على نهر الوالدين والتحدي أمام الله!
وعي الشباب
رابعا: لماذا يفتقر معظم الشباب إلى أسلوب الحوار والتفاهم؟!، فهناك مواضيع كثيرة تم الخطأ في الحكم فيها بسبب أسلوب الحوار الذي أفسد وجهات النظر بين الأطراف! وأفقد الشخص قضيته التي ربما كانت صائبة ولكن تم الخطأ في طريقة طرحها؟!
ومن كل ما سبق نجد أن أزمة في جوهرها هي فقر الوعي بالنسبة للشباب، فدعني أقل إننا في حاجة ماسة إلى إعادة هيكلة شاملة لكل ما يخاطب الشباب وفي احتياج أشد إلى خطابات موجهة بالخصوص للشباب، ليس في أزمات الزواج فحسب، ولكن في كل تفصيلة دقيقة تسكن عقله وتحرك قلبه..
فشاب اليوم هو أب الغد وشابة اليوم هي أم الغد، وما دام المجتمع يتوارث هذه المعتقدات، وما دامت المشكلات ما زالت في تفاقم وتراكم، إذن نعم.. العيب ما زال فينا وما زال في المعتقدات التي تورث لأبنائنا سواء كنا السبب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة..
وليس معنى كلامي هذا أن أحدا يريد أن يسلبك حقك في اختيار شريكك في الحياة، ولكن هذا الحق في نفس الوقت لا يجب أن ينسيك أحق الحقوق على وجه الإطلاق ألا وهو احترامك لوالديك وأسرتك وأسلوبك في الطرح، وإلا لن تهنأ بحقك الذي تدعي بعد أن هدمت بكل بساطة المحراب المعنوي المقدس الذي نشأت منه وتربيت فيه..
وإعلم يا صديقي الشاب وإعلمي يا صديقتي الشابة، أن من نسي وباع أسرته وذكريات طفولته وصباه ومن حمل همه منذ ولادته، ووضع أول لقمة في فمه. وعلمه أن يمسك بالقلم ويقرأ، من نسي أول حضن وأول ضمة حقيقية صادقة، ستنساك وسينساكي لا محالة أيها الشريك المختار سواء أكنت الزوجة أو الزوج المستقبلي في أول منعطف طريق..
لأنه على رأي المثل الشعبي: اللي ملهوش خير في أهله، ملهوش خير في حد.. ولأني أتحدث عن المشكلة بكل بموضوعية شديدة وآمل أن نصل إلى حل.. فيجب أيضا أن نتحدث سويا عن دور الشق الآخر من المعادلة وهو دور الوالدين والأسرة وهذا ما سنقوم بمناقشته في مقال قادم بإذن الله.
Yasminashaheen16@gmail.com