الوعى المفقود
لو قررنا رسم خريطة الى الوضع المصرى الآن ماذا يمكن أن تكون؟ الحقيقة الأمر في غاية الصعوبة، من أين نبدأ وأين سننتهى؟ هل نتحدث عن الوضع السياسى بشكل عام؟ أم نتحدث عن الحالة الاقتصادية التى تمر بها مصر؟ أم عن حالة الإعلام التى أصبح حالة لا حول ولا قوة؟ أم نتحدث عن الحوار الوطنى؟ أم نتكلم عن الرياضة المصرية وحالتها المتدهورة؟ أم نتحدث عن المذيعة فلانة أو علانة والكل بيتكلم؟!
الحقيقة أننا نمر بفترة دقيقة وصعبة للغاية، ولكن ربما ليست أصعب من حقب أخرى مرت على مصر، ودائما تخرج مصر أقوى وأقوى من أى صعاب، ربما الزمن يختلف عن الزمن، منذ نصف قرن كان ممكن يكون في القاهرة أحداث ووقفات ولا يعرف بذلك إلا سكان القاهرة، السبب انه لم يكن هناك أى وسيلة لنقل الحدث سوى الاذاعة والتليفزيون والصحافة الحكومية..
وبالتالى إذا أرادت الحكومة نشر الخبر من عدمه فإنها تتحكم في الأمر، أما الآن وبفضل انتشار وسائل التواصل الاجتماعى فإن الحدث ينتشر بعد دقائق ويمكن أن يصل إلى كل العالم، اقصد من المثال، إن الأزمات التى كانت تمر بمصر، كانت الدولة فيها هى من توجه المجتمع إعلاميا بما تريد وترغب، وبناء على هذا عندما يرتفع أو ينخفض سعر الدولار..
أما الآن فإن الملايين تعرف وتعلق -تفتى- بعلم وبغير علم، ولكن الشىء المؤكد أن الجميع تكويه نار الأسعار، وهذا أمر لا أحد يستطيع إنكاره أو تبرير سببه سوى بارتفاع سعر الدولار وتراجع قيمة الجنيه، إلا أننى أثناء كتابة هذا المقال، علمت أن روسيا إعتمدت الجنيه المصرى كعملة يمكن التعامل بها فى التعاملات التجارية، وهذا أمر في منتهى الايجابية للجنيه المصرى، كذلك للمصدرين والمستوردين من روسيا، وحجم التعامل المصري الروسي سيتضاعف في الفترة القادمة.
مصر إلى أين؟!
مصر إلى أين؟ الاجابة تتلخص في أنه ربما يرى البعض أنها صعبة أو مستحيلة، مصر تحتاج إلى ثورة قوية، ثورة تضرب بيد من حديد على المتلاعبين بقوت الشعب، ثورة على رجال الاعمال الذين يحتكرون كل شىء، ثورة على القوانين واللاوائح التى تعيق تطهير المجتمع من الذين يمصون دم الشعب، ثورة صناعية ببناء مئات المصانع من أجل استيعاب ملايين الشباب الذى يخرج إلى الشارع بلا هدف ويكون لقمة سهلة للأفكار الارهابية الهدامة..
وهنا أذكر قصة ربما أكون قد كتبتها من قبل، ولكنها تحضرنى الآن، فبعد حرب أكتوبر المجيدة، كان طبيعيا أن تكون الدولة مرهقة من حرب سبعة أعوام ( 67 – 1973)، هنا طلب بعض الوزراء بعدم تعيين الخريجين لعدة سنوات، حتى يتم توفير مرتباتهم، وهنا كلف الرئيس السادات المقربين منه ابرزهم الدكتور عبدالعزيز حجازى لدراسة الاقتراح..
وبعد الدراسة كان الاقتراح، لابد من تعيين الخريجين بدون أى إبطاء، لان عدم تعيينهم يعنى أنه سيكونون لدينا بطالة معرضة للانخراط في أنشطة ضد الدولة وينضم هؤلاء إلى جماعات سياسية أو دينية، وأن التكلفة الاجتماعية لتعيينهم أقل بكثير من التكلفة الاجتماعية في حالة عدم تعيينهم، وبالفعل تم تعيين الخريجين، إننى لا أطالب بتعيين الخريجين مثلما كان يحدث في الماضى، ولكن أطالب ببناء نهضة صناعية وعلمية وزراعية تستوعب شبابنا.
الشباب حاليا افتقد الحلم، نعم مجرد الحلم لم يعد قادرا عليه، وهذا الأمر يحتاج ثورة في عقلية الحكومة، ثورة حقيقية لو شعر بها الشباب سيكون لحظتها الشباب هم الانقاذ، هم الذين سيحملون كل الاعباء بطيب خاطر، لانهم لحظتها سيشعرون بالأمل، وسيجدون أن المصانع والشركات والحقول كلها مسخرة من أجل الشباب، لا أريد أن أضرب أمثال مزعجة، ولكن مثلا قرأت إعلان لشقق للشباب متوسطى الداخل، الشقة يبدأ سعرها بمبلغ إثنين مليون جنيه، ماذا يفعل الشاب وهوأساسا لا يجد عملا يتيح له سداد أقساط مثل هذه الشقق؟
الوضع السياسى والحالة الاقتصادية يحتاجان لثورة حقيقية، ثورة من الدولة وليست ثورة غوغائية، ثورة تزرع الأمل في النفوس، والأمل في بكرة، أما الإعلام فقد أصبح أداة هدم وليس بناء، وأتمنى أن أنبه الحكومة أن ما يحدث كل يوم من الاعلام كارثة، حتى الإعلام الرياضى فقد يرى البعض أنه "تفاريح" بالعكس أنه خطير وهدام لأنه يدعو للتعصب والعنصرية ويمزق وحدة الوطن.