كـفــى عبقريات!
مما لا شك فيه أن الإعلام أصبح من أهم الروافد الثقافية خاصة في مجتمعنا العربي، بعد تراجع أهمية، وأسبقية الرافد الأهم للثقافة، وهي القراءة بالطبع. أرجو منك عزيزي القارئ، ألا تتعجب حينما تجدني في هذا المقال، أتحدث باللهجة العامية، وأنت معتاد أنني أتحدث معك في مقالاتي، وكتاباتي باللغة العربية الفُصحى، لكنني سأتحدث في بعض أجزاء من المقال، باللهجة التي يتحدث بها لسان السواد الأعظم من الإعلاميين بمصر.
أنت تاني
خرج علينا أحد الإعلاميين بتصريح، من تصريحاته المتعددة التي لا تقدم شيئًا، بل تؤخر والغريب أنه قد أدلى بتصريح خطير، منذ عدة أشهر يتعلق بالدولار، وطالب المواطنين بعدم الخوف من ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، وقال أن الدولار لن يصل لعشرين جنيه مصري..
والغريب أن من شاهد ذلك التصريح سيرى، أن ذلك الإعلامي يتكلم، بكل ثقة، وقال أنه دارس اقتصاد، وأنه خبير في النواحي الاقتصادية، لكن الأيام أثبتت أنه لا يفقه شيء في الاقتصاد، ولا حتى في الإعلام، وأن رؤاه وخبراته لا تساوي شيئًا. فها هو الدولار قد تجاوز الثلاثين جنيها منذ فترة، والآن سعره يصارع في أواخر العشرينات.
كان من المفروض على ذلك الإعلامي، بعد أن ظهر أمام الجميع، بمظهر مدعي العلم، والخبرة أن يتوارى، ولا يكرر نفس الخطأ مرة أخرى، لكن لأنه يود أن يظهر بمظهر الخبير العبقري، الذي لا يُشق له غبار، فخرج علينا من جديد بتصريح يقارن فيه الأسعار بين ألمانيا، ومصر!!
وقال أن سعر زجاجة الزيت في ألمانيا عام 2022 كان 60 سنت يورو، والنهاردة سعرها (3) يورو يعني سعرها زاد (5) أضعاف لكن في مصر سعرها، لم يرتفع (5) أضعاف وإحنا مش أشطر من ألمانيا بس كنا عاملين حسابنا في شوية حاجات. هذا هو نص ما قاله ذلك الإعلامي الفذ.
وأنا من هنا أقول له: مش كفاية عبقريات بقى بعد إللي قولته عن الدولار.. طب ممكن تقول لنا دخل المواطن الألماني كام مقارنة بدخل المواطن المصري؟! طب ممكن تكلمنا مثلًا عن التأمين الصحي في ألمانيا، أو عن حقوق الإنسان هناك؟! طب ممكن تكلمنا عن نجاحات السيدة أنجلا ميركل الاقتصادية، وعن موقع بلادها في مجموعة العشرين؟!
إصلاح الإعلام
هل تعلم أن مبلغ ال (3) يورو بالنسبة للمواطن الألماني، كأنه (3) جنيه للمواطن المصري، وبلاش فذلكة، وتقولي اليورو بالمصري يعمل كذا جنيه، وتحسب سعر الزجاجة بالجنيه المصري على هذا الأساس، لأ حضرتك تقولي ال (3) يورو يمثلوا إيه بالنسبة لدخل المواطن الألماني، وسعر زجاجة الزيت في مصر يمثل إيه بالنسبة لدخل المواطن المصري.
لماذا تذكر فقط ما يوافق الهوى، ولا تنقل الصورة كاملة بكل وضوح؟! ولنتحدث عن مجال الإعلام، وهو مجالك هل هناك في ألمانيا من يحمل نفس درجة فشلك الإعلامي؛ وفي نفس الوقت يتقاضى ملايين من اليورو؟! إذا أردت أن تقارن فلتجعل المقارنة كاملة، وعادلة دع دخل المواطن المصري، يوازي دخل المواطن الألماني، وبعد ذلك قم بتحديد سعر زجاجة الزيت، المصري لتماثل نظيرتها من الزيت الألماني، برغم فارق الجودة الرهيب بين الزيتين. أو اجعل دخل المواطن المصري باليورو، وحدد سعر زجاجة الزيت بمبلغ ال (3) يورو مثل سعرها في ألمانيا، اختار أي ما شئت من الحلين.
إن ما قلته لا يدل أبدًا أنك تفهم في الاقتصاد، ولا حتى في الإعلام، فمثل تلك التصريحات، إن كنت لا تعي خطورتها فهي تزيد من حنق، وغضب الناس، ولا تأتي بما تريد أن تحققه من مآرب، إن نجاح رسالة الإعلام يكمن في مدى، صدقها، وشفافيتها، ومدى المهنية فيما تقدمه، وانحيازها لحقوق المواطن، ورفع المعاناة عن كاهله، بالحديث عن مشاكله، وهمومه، لا بتجميل صورة الحكومة، وتبرئة ساحتها من أي فشل في أدائها، وإظهار أن المواطن المصري هو السبب دائمًا، في الأزمات الاقتصادية مثل (كثرة الإنجاب – المصريون يأكلوا بكام مليار في السنة– المواطن لا يرشد في استهلاك المياه.. إلخ)
متى نرى إعلام مهني، محترف بحق، ذو مصداقية وشفافية؟! ألا يتعجب القائمين على الإعلام من عزوف أغلبية الشعب المصري، عن متابعة القنوات المصرية، حتى الإخبارية منها، ويلجؤون لقنوات مثل: الجزيرة، والعربية، وسكاي نيوز، وغيرها.. إننا نأمل أن يعود الإعلام المصري لسابق عهده في الريادة الإعلامية، وبالمناسبة.. هو يستطيع.