سكَن وسكِّين
شاء الله: أي أراد الله.. ومشيئة الله وإرادته دائما نافذة، هي"كن فيكون".. هي واضحة وضوح الشمس ظهرا في كبد السماء، دافعة تتحدث عن نفسها. يُسلم بها الكبير والصغير، العالم والجاهل، المؤمن والكافر. يقول الله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}.
دعونا نتأمل الجمل "لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا" و"لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا" و"جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا"، وجميعها موجهة للمرأة!، السكن هو المكان الذي نسكن فيه ونطمئن ونأمن. هو الجدران الحانية والحامية من قسوة الحر والبرد والمطر والحافظة للخصوصية والأمان والراحة.. فالمرأة سكن والسكن هو المنزل، فقلبها منزل متعدد الغرف، غرفة للمودة وغرفة للرحمة وغرفة للحنان وغرفة للأمان، وغرفة للراحة وغرفة لإعداد الطعام لأسرتها بالروح قبل اليدين وغرفة للعناية النفسية والتربية الفكرية وغرفة لاحتواء الجميع.
أما الرجل فهو الأصل والمنشأ والمنبع والأساس لكل هذا، فكيف لا وهو الذي خلقت منه الزوجة أصلا "خَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا"، أي أنها جزء من كل والجزء لابد أن يحمل صفات الكل جينيًا وروحيًا. أي إن كانت هي سكن وسكينة ومودة ورحمة، فهو أصل السكن والسكينة والمودة والرحمة ولابد أن تكون سارية فيه مسرى الدماء من الشرايين. فآية الله واضحة جلية فيهما.
قدسية الزواج
فالله يجمع شتيتين مختلفين من بيئتين مختلفتين وتربية مختلفة، وربما لم يَرَ كلاهما الآخر إطلاقا من قبل، ثم يجعلهما بقدرته أقرب شخصين لبعضهما بل يجعلهما وحدة واحدة وكيان واحد، قد أصبغ عليهما قدسية وقداسة ورحمة تراها بأم أعيننا كل يوم عندما ترى زوجين مسنين يسيران يتكئ كل منهما على الآخر بكل المحبة، يعكزان بعضهما على بعض، تغمرهما الرحمة والبركة الربانية التي قد أقرها الله في آياته الخاصة بهذا العقد المقدس.
تراها في لفظ الميثاق الغليظ الذي سمى به الله تعالى عقد الزواج، قال تعالى:{وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}، فهي قدسية ضاربة بجذورها في أعماق الأرواح، متشبسة بتلابيب الأنفس. تراها في الآية التي تخرج من هذين القلبين، تلك القدسية الممتدة إلى الآخرة بمشيئة الله، حين يعد الله الزوجين بأن يلحق بهما ذريتهما في الجنة إذا كانا صالحين.
قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}، نراها حتى في فشل الحياة الزوجية والانفصال، يقول الله تعالى: {وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ}، {إِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا، وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}.
فما يدهشني هو لماذا نجح الشيطان أو النفس الأمارة بالسوء في تحول السَّكَن إلى سكِّين حسب الطلب في هذا الزمن الصعب؟! فإذا حقق كل طرق للآخر أنانيته وذاته، فهي سكين لإعداد شرائح الفاكهة وألوان الطعام الشهية. وإذا تقاعس أي طرف في حق الآخر، فهي سِكٍّينة لتقطيع أواصر المودة والرحمة والأخلاق والرقي والرٍّقة، بل لتقطيع وتفتيت ذلك الميثاق الغليظ نفسه، فتضج بهما محاكم الأسرة وساحات القضاء بل تضج بهما ومنهما الحياة نفسها. فتتحول القدسية للأسف إلى دونية.
وبالتالي يجب علينا أن نقف وقفة مع أنفسنا ونتذكر قول الله تعالى:{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}. {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.