أجهل وأضعف شعوب الأرض!
إذا أردنا أن نستعيد قيمنا الأخلاقية السليمة فعلينا أن نستلهم أخلاق نبينا وحسن معاملته لأصحابه ورعيته وكيف حارب الفساد والظلم ورسخ للعدالة والأخوة والمحبة والمؤخاة في أصدق صورها وأبهى أشكالها في مجتمع المدينة الذي لا يختلف في حقيقته عن المدينة الفاضلة التي حلم بها الفلاسفة دون أن يروها رأي العين لكن النبي وصحابته الكرام عاشوها واقعًا رائقًا وصافيًا لأقصى درجة ممكنة.
فلماذا غابت عنا هذه الأخلاق ولماذا غفلنا عن سيرة نبينا ولم نتأسَ به في حسن المعاملة؟.. ولماذا نرى في المساجد شيئًا وفي الأسواق والمعاملات شيئًا مغايرًا تمامًا؟.. فمن يذهب للسوق أو يمشي في الشوارع يجد ما حذر منه الله تعالى ورسوله: "أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ"، "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ"..
أسس الدولة الحديثة
أين المسلمون من هذه الآيات.. بل أين هم من قول المصطفى: "آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان" وفي رواية "وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر".. وأين نحن من قوله تعالى "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا".. أو قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء".
ما أحوجنا كما قال الرئيس السيسي في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف أن نقتدي بسيد الخلق، نفعل ما كان يفعله وننتهى عما نهى عنه؛ ففيه الخير لنا ولمجتمعنا وأمتنا.. فهل ننسى أنه استطاع أن ينشيء في بضع سنين دولة لم يعرف التاريخ الحديث لها مثيلًا، حتى أن الغرب أخذ أسسها وعمل بمنهجها حتى تقدم وساد الأمم بينما تخلى عنها المسلم وانغمس في ظلمات المطامع والشهوات والسلطة والجاه فأصبح أجهل شعوب الأرض.. ونسينا عبارة مهمة تتردد بيننا تقول: “إذا كنت تتحكم في الطعام يمكنك التحكم في شعب، وإذا كنت تسيطر على النفط فيمكنك التحكم في أمم بأكملها، وإذا كنت تسيطر على المال فيمكنك التحكم في العالم بأسره”.
ربما حقق الغرب ذلك بالتآمر تارة والحروب تارة أخرى والفوضى والهيمنة تارة ثالثة.. لكن أمتنا تملك كل أسباب التقدم ومقومات القوة ولو أن دولها تكاملت ما مدت يدها لتستورد الغذاء والدواء والكساءوالسلاح.. لكنها للأسف باتت ضعيفة معدومة الوحدة فرقتها الأهواء وتنازعتها المصالح الضيقة.
ألا تدعونا هذه الحال للعودة للجذور وتدبر القرآن واستلهام روح وجوهر سنة النبي الكريم؛ ففيهما العلاج الشافي لآفاتنا؛ فيهما دعوة صريحة للتوحد وتعزيز مكارم الأخلاق وهو ما أراه واجبًا أصيلًا لوسائل الإعلام فأينما وجد إعلام هادف قوي وجد بالضرورة مجتمع واع متمسك بالفضيلة والأخلاق السامية التي لا تدانيها الأهمية قيمة أخرى؛ ذلك أن الخلق الحسن يتجسد إلى سلوك حياتي ومجتمعي يتوخى الصدق والأمانة والرحمة والعدل والحياء والعفة والتعاون على البر والتقوى والتكافل والإخلاص والتواضع وتلك قاعدة صلبة للفلاح والنجاح للفرد والمجتمع.