صاحب أول تغطية حية.. صلاح قبضايا يروي ما شاهده على جبهة القتال قبل وأثناء حرب أكتوبر
فى كتابِه "حدث فى أكتوبر" كتب عميد المراسلين الحربيين الدكتور صلاح قبضايا ـرحل عام 2014ـ ذكرياته كمراسل حربى عاصر يوم العبور فى 6 أكتوبر 1973 كشاهد عيان فكتب يقول:
اعتمدت قواتنا الجوية بصورة أساسية فى ضربتها الجوية يوم السادس من أكتوبر على الطائرات السوفيتية الميج والسخوى، وكانت مصر قد حصلت على عدد منها قبل هذا اليوم بوقت كافٍ ـــ كانت مصر قد عقدت عن طريق وزير الحربية أحمد إسماعيل صفقتي سلاح وقطع غيار فى موسكو لم يعرف عنها أحد، وأصبحت القوات الجوية المصرية تضم 305 طائرات ترتفع إلى 400 طائرة بطائرات التدريب، خصصت منها 220 طائرة فقط للضربة الجوية.
الضربة الجوية
وفى يوم 6 أكتوبر 73 قطعت الإذاعة المصرية برامجها فى الساعة الواحدة والنصف ظهرًا لتذيع الخبر التالى (جاءنا الآن أن عناصر من القوات الإسرائيلية هاجمت مواقعنا فى الزعفرانة مما يمثل خوفًا خطيرًا لوقف إطلاق النار وتم إبلاغ مجلس الأمن الدولى بهذا العدوان) تبعها مارشات وموسيقى عسكرية فى اللحظة التى كانت تصدر الأوامر إلى أسراب الطائرات بالانطلاق لتوجيه الضربة الجوية.
مراكز التوجيه
دارت معارك ضارية فوق أرض سيناء فى مواجهة الهجوم المضاد للعدو المدعم بالأسلحة والدبابات الأمريكية، وسارع العدو بالتجهيز للرد على الضربة الجوية المصرية على المطارات ومواقع الصواريخ ومبانى القيادة الإدارية ومراكز التوجيه والإنذار.
وفى اليوم التالى دفع العدو بأول موجة هجوم جوى فى اتجاه قواعدنا الجوية مستهدفًا سبعة مطارات مصرية منها مطار القطامية الذى هُوجم 6 مرات فى يوم واحد، ومطار المنصورة 5 مرات وكان نجاحه محدودًا، واستطاعت قواتنا بسرعة التصدى وأدت الدور المسند لها.
وعندما بدأت إذاعة القاهرة بث الموسيقى العسكرية كانت الأوامر تخرج من مركز العمليات إلى جميع القواعد الجوية حيث الطائرات على أتم استعداد لتوجيه الضربة الجوية المفاجئة والمؤثرة إلى جميع مطارات العدو ومناطق حشد مدفعيته في سيناء، وعلى ارتفاعات منخفضة عبرت 21 طائرة مصرية القناة في وقت واحد لتطلق قذائفها ونيرانها على الأهداف المعادية في تمام الساعة 1405، ولتنطلق قذائف المدافع المصرية نحو أهدافها في سيناء.
صفارات الإنذار
ويسبح في مياه القناة أفراد الصاعقة والضفادع متجهين إلى مخارج مواسير السوائل القابلة للاشتعال للتأكد من إغلاقها، وفى تلك اللحظة كان الإسرائيليون يستعدون لمواجهة الهجوم المتوقع عندما انطلقت صفارات الإنذار في كل أنحاء إسرائيل، وتم استدعاء القادة العسكريين إلى نقطة القيادة الإسرائيلية الشهيرة باسم "الحفرة" تحت سطح الأرض في مركز مجموعة العمليات.
وهنا كان البيان الأول الذي يؤكد أن المصريين عبروا قناة السويس بطول خط المواجهة كله تحت ستار نيران أكثر من 2000 مدفع تسبقها ضربات مركزة على مراكز السيطرة والقيادة والمطارات قامت بها أكثر من 200 طائرة مصرية، وأن العلم المصري يرفرف الآن فوق النقاط الحصينة لخط بارليف شرق قناة السويس.
ساعة 14.5 من يوم السبت السادس من أكتوبر 1973.. هي الساعة التي انطلقت فيها أول طلقة في أول حرب هجومية على إسرائيل، والتي سبقتها عمليات خداعية متكاملة مهَّدت لهزيمة إسرائيل، في تلك الساعة فتحت جميع المدافع نيرانها على طول الجبهة، واستمر الضرب متواصلًا وبغزارة نحو ساعة كاملة.
معركة العبور
كان لى حظ الاشتراك في التغطية الصحفية لمعركة العبور لتكون أول ما تخرجه المطابع عن هذا العمل العظيم وليصدر بها أول كتاب (الساعة 14.5) ينقل صورة صحفية لتطورات المعركة وليكون بين يدى القارئ في نهاية الأسبوع الثالث للمعركة.
حرب الاستنزاف
وقد بدأت مهمتي الصحفية بينما حرب الاستنزاف تدور غربى القناة، وكان عليَّ أن أزور المواقع والتقى بالأبطال لأسجل قصصهم وأدون كلماتهم وسنحت لى فرصة التنقل بين المواقع والأحداث والتشكيلات أن أسمع قصص الأبطال وأجمع أحاديثهم لتتشابك خيوطها وتروى في النهاية قصة أول هزيمة في تاريخ إسرائيل.
شاهد عيان
شاهدت وعشت بنفسي بعض مراحل الإعداد والتدريب، ولم يكن كل ما نراه قابلا للنشر، وخلال الشهور السابقة للقتال منذ ربيع 1973 كنت أتتبع كمراسل عسكري عمليات تدريبية واسعة لقواتنا المدرعة، تدعمها طائرات القوات الجوية في الصحراء في مناطق تماثل تلك المناطق التي خاضتها المدرعات المصرية بنجاح باهر في سيناء.
وهناك سر آخر كتمته في صدري شهورا، حين أعدت المدفعية المصرية ميادين تدريب مصغرة هي صورة طبق الأصل لميدان عملياتها شرق القناة؛ حيث زودت هذه الميادين المصغرة بجميع المعالم الطبيعية الموجودة في ميدان سيناء، وشكلت فيها مواقع العدو بمعالم ترمز لوحداته وبطارياته.
عمليات متوقعة
كما أقامت قواتنا الجوية نماذج لقواعد العدو والأهداف التي سنتعامل معها، أما وحدات الدفاع الجوي فقد استندت دعائمها إلى صواريخ ذات ميزات خاصة تناسب العمليات المتوقعة، ولا ننسى دور قواتنا البحرية وتشكيلاتها المختلفة في حماية شواطئنا على البحرين المتوسط والأحمر، إضافة إلى دورها الهجومي فيما بعد.
قائد الحرب
بقي أن نقول إن الرئيس السادات، القائد الأعلى للقوات المسلحة، كان يشهد البيانات العملية والمناورات التي تجرى على مستوى الوحدات الكبيرة، ولم يكن يسمح لنا كصحفيين بالإشارة إلى ذلك أو نشره.
صيحة الحناجر
وأضاف صلاح قبضايا: كان أجمل ما رأيت وانشرح له صدري هو خروج أحد المقاتلين من أفراد المجموعات الأولى فوق تبة مرتفعة ليحفر الأرض ببلطته الصغيرة، ويثبت العلم المصري فوق التبة ويقف رافعا ذراعيه إلى السماء صائحا: "الله أكبر.. الله أكبر"، ويردد الجميع وراءه النداء، وارتفعت آلاف الحناجر بصيحة واحدة: "الله أكبر.. الله أكبر"، فلم أستطع أن أحبس دموعي أمام هذا المشهد المهيب.