رئيس التحرير
عصام كامل

رميت القلم وكنت خائفا من شيء ما.. نجيب محفوظ يروي ذكرياته عن نصر أكتوبر

الأديب نجيب محفوظ
الأديب نجيب محفوظ

في شهر أكتوبر من عام 1998 كتب الأديب العالمي نجيب محفوظ مقالا في جريدة الأهرام تزامنا مع العيد الفضي للنصر المجيد تذكر فيه يوم النصر قائلا: "كنت جالسا على مكتبي في يوم السادس من أكتوبر وجاءتني مكالمة تليفونية من الأديب ثروت أباظة يقول (عبرنا القنال وقواتنا تشتبك الآن مع العدو في الضفة الشرقية)، رميت القلم من يدي ونهضت من على مكتبى تاركا القصة التي كنت بدأت في كتابتها، فلم يكن يخطر ببالى في أكثر لحظات انطلاق الخيال أن نتمكن من عبور القناة بهذا الشكل، قد كان الاعتقاد السائد أنه من رابع المستحيلات تخطى خط بارليف الترابي الذي لا يمكن أن تخترقه القنابل ذاتها".

وتابع محفوظ: “لذلك كانت الفترة التي عشتها من يوم 5 يونيو 1967 إلى 6 أكتوبر 1973 من أسوأ فترات حياتى، كنت أعايش فيها حالة الاكتئاب القومى الذي اكتنفنا بسبب الشعور بالإهانة والقنوط دون وجود أي طريق للخلاص.. إننى للوهلة الأولى لم أصدق، لكنى بعد أن سمعت الخبر في إحدى الإذاعات الأجنبية حتى قفزت من الفرح فهذا هو أسعد يوم في حياتى وحين أقارنه بفرحتى عند الفوز بجائزة نوبل أجد أن فرحة أكتوبر فاقت كل الأفراح.. وطوال فترة الحرب كنت في حالة من الانفعال لم أكن أستطيع معها النوم، فقد كنت أخشى أن تتطور الحرب إلى غير ما نشتهيه”.

الاستهلاك المحلي 

وواصل محفوظ سرد قصته مع نصر أكتوبر بالقول: “الحقيقة أن الذي صنع نصر أكتوبر كان أولا شيئا داخليا ظل سنوات يكتمل في نفس المصريين والعسكريين بالحاجة إلى رأب الصدع الذي أحدثته الهزيمة في النفوس.. والشيء الثاني هو مساعدة السوفييت لنا، ثم تأتى حرب الاستنزاف التي وفرت ساحة للتدريب لجيوشنا، ولقد ظلمت حرب الاستنزاف في حينها لأننا كنا نعتبرها للاستهلاك المحلى، وكنت أنا شخصيا أعتبرها كلاما فارغا”.

استحالة الحدث 

وكثيرا ما كنت أتناقش مع أصدقائى وأقول لنهجم على العدو وليحدث ما يحدث فلا يمكن أن يكون أسوأ مما نحن فيه فأجد البعض منهم يتحول إلى مفكر استراتيجى وعسكرى ليشرح لى استحالة القيام بأى عمل هجومى من جانبنا فبإمكان إسرائيل تدميرنا كاملا.


لقد أتيح لى أن ألتقى بعد انتهاء الحرب برجال القوات المسلحة الذين قاموا بزيارة آنذاك إلى جريدة الأهرام واسترعى انتباهى الإيمان القوى الذى يحركهم والذى ملأهم بالثقة، بل كان الله بجانبنا فقد قيل هناك الكثير من المعجزات.

بطل الحرب والسلام

انعكست فرحتى التي فاقت كل الافراح على أعمالي الروائية فبعد الروايات الفلسفية التي عشناها قبل أكتوبر 1973 فمثلا ملحمة الحرافيش التي كتبتها بعد النصر تعتبر الوحيدة بين رواياتى التي تظهر فيها القهقهة بصوت عالى ابتهاجا بهذا الحدث العظيم.. ومن لا يفوتنى وسط فرحتى إلا أن أترحم على جميع الشهداء الذين قدموا حياتهم فداء للوطن وفى مقدمتهم بطل الحرب والسلام الرئيس أنور السادات.

الجريدة الرسمية