في ذكرى النصر.. اللواء محمد ربيع مهندس الصواريخ: عناصر التأمين الفني الجندي المجهول في العبور | حوار
مصر تسابق دول العالم فى إجراء مناورات مشتركة.. و تسليح الجيش فى عهد السيسى هدفه الردع
دمرنا 1500 دبابة إسرائيلية فى 3 أيام وأطلقوا علينا «عفاريت عبد الجابر»
حاربنا بسلاح قديم تم استخدامه فى الحرب العالمية الثانية
الرئيس السيسى لديه قلب أسد.. وأخرج البلد من عنق الزجاجة
ساعة الصفر لم يكن يعرفها إلا القادة كل حسب رتبته
حزنت على رحيل عبدالناصر.. وكنت سألقى بنفسى من فوق منزلى
التأمين الفنى.. هو الجندى المجهول وراء نجاح أى معركة، ببساطة، لولا تأمين الأسلحة والذخائر وصيانة المعدات ما استطاع أبطال القوات الجوية والدفاع الجوى والمظلات والمدفعية تحديد الهدف وإصابته بدقة، فلك أن تتخيل أن يقوم الطيار بالتحليق والوصول لمكان الهدف، وعندما يطلق الصواريخ يجدها معطلة.
وخلال الحوار التالى يروى لنا اللواء محمد ربيع ، مهندس الصواريخ المضادة للدبابات الذى شارك فى حرب الاستنزاف جنديا، وفى حرب أكتوبر ضابطا، قصة كفاح وبطولة نهديها للأجيال الحالية؛ ليدركوا أهمية التأمين الفنى، كما يفتح خزائن ذكرياته حول معركة العبور وكيف تمكنت القوات المسلحة المصرية من تحقيق نصر استراتيجي كبير وهزمت العدو الإسرائيلى ودمرت آلياته العسكرية وجنوده وضباطه ، فإلى نص الحوار:
بداية.. هل من تعرفنا أكثر على البطل محمد ربيع؟
اسمى محمد ربيع محمد مصطفى، مواليد 15 فبراير عام 1948 بقرية ميت رومى مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية، حصلت على معهد وبدأت حياتى مدرسا بالمدارس الثانوية الصناعية.
- متى التحقت بصفوف القوات المسلحة؟
تم تجنيدى أوائل عام 68 عقب جولة 5 يونيو 67 فى رتبة عسكرى بسلاح المدفعية، وتم إلحاقى بأحد اللواءات المقاتلة مجند مهنى مركبات، وكان قائدى فى ذلك الوقت اللواء فريد حجاج واللواء حسن عاطف، وبدأت حرب الاستنزاف بعد أن أخذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرار الحرب، وكنا نتدرب وقتها فى منطقة الهايكستب، ثم تم نقلنا إلى منطقة متقدمة غرب القناة كتدريب حقيقى ندك منه حصون العدو، وكانت فرحة عارمة لى ولزملائى، أخيرا سنشتبك مع العدو اشتباكا حقيقيا، وقتها كانت المخابرات تقوم بعمل استطلاع عن مواقع العدو وتعطينا المعلومات لضربها، وكان مدى المدافع 27 كم أو 37 كم.
وفى آخر عام 68 فتح المعهد الفنى للقوات المسلحة، وكان حلمى وحلم والدى ووالدتى وقتها أن أصبح ضابطا، وبالفعل قبلت بالمعهد، وكان ترتيبى الثامن فى الذين قبلوا بالدرجات، ومع بداية 69 وقتها كانت فترة إعداد الدولة للحرب، تم ترشيح 30 طالبا الأوائل من خريجى المعهد الذين يبلغ عددهم 250 طالبا إلى بعثة فى الاتحاد السوفييتى، وتم اختيارى، وكانت دراستنا فى أوديسا بأوكرانيا التى كانت وقتها إحدى دول الاتحاد السوفييتى.
وعدنا إلى مصر أواخر عام 72 عندما قام الرئيس السادات بطرد الخبراء الروس كتمويه آخر للحرب، رجعنا 3 فقط أنا وعلى سليمان ومحمود عبد العظيم، وتم توزيعنا على الجيش كله لأننا نتقن اللغة الروسية لترجمة كتالوجات الأسلحة والمعدات وشرحها لعناصر التأمين الفنى ثم تم تعييننا معيدين بالمعهد الفنى لتدريب طلبة المعهد على تكنولوجيا الأسلحة الروسية الجديدة.
منذ أيام قليلة كانت الذكرى 52 على وفاة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كيف حارب ناصر إسرائيل من وجهة نظرك؟
لابد أن نوضح أننا دولة تحمى ولا تهدد، والزعيم الراحل جمال عبد الناصر كان زعيما وطنيا حرا وكلنا نعشقه، لن تتخيل شعورى وأنا شاب عندما خرج فى شاشات التليفزيون وقرر التنحى، شعرنا بخسارة كبيرة والشعب خرج عن بكرة أبيه للميادين، ورفضنا هذا القرار وطالبناه بالبقاء، ونحن وراءه وبالفعل حدثت طفرة جديدة فى التصنيع العسكرى والتدريب الجاد.
وبدأ فى بناء قوات مسلحة حقيقية على أساس علمى وتدريبى وفق أحدث التكنولوجيا فى هذا العصر، بالرغم من قيام القوات المسلحة وقتها بالأخذ بالثأر فى حربى الاستنزاف جنبا إلى جنب، فكان العمل على قدم وساق فى بناء القوات المسلحة، ورغم ذلك لا ننكر أن مصر خسرت أكثر من 100 ألف جندى وضابط ودمرت اقتصاديا فى القومية العربية، فمنذ ثورة 23 يوليو 52 ومصر فى حرب شرسة مع اليهود ومؤامراتهم مستمرة على مصر والعرب، ونحن خضنا معهم من وجهة نظرى 6 جولات منذ حرب 48 وحتى الآن، بدأت بحرب فلسطين عام 48 وحتى نصر أكتوبر المجيد، فى نظرى لم يكن ناصر هو السبب فى نكسة 67 أو حرب 56، ولكنها إسرائيل ومن خلفها أمريكا هى من تحاول تقليص دور مصر فى المنطقة وعدم تركها قوية حتى لا يقف وراءها العرب ودول أفريقيا.
*حدثنا عن حرب الاستنزاف بعد هزيمة يونيو وهناك خبراء يقولون إن حرب الاستنزاف هى الحرب المنسية فى الصراع العربى الإسرائيلى؟
فى 5 يونيو 67 كانت الهزيمة مؤقتة حيث قامت القوات الإسرائيلية بضرب المطارات المصرية والطائرات على الأرض، وتم انسحاب القوات من سيناء بقرار خاطئ لأنها لم تترك للقتال والأخذ بالثار، ولكن سرعان ما تعافت مصر وبدأت توجه ضربات قاسمة للعدو الإسرائيلى الضربة تلو الأخرى، فبعد أيام معدودة لقنت كتبية صغيرة من الصاعقة المصرية العدو الإسرائيلى درسا قاسيا فى معركة رأس العش وأفقدته الكثير من الخسائر فى الأرواح والمعدات، وبعدها الضربة الجوية يوم 14 و15 و16 يوليو التى قام فيها الطيارون بضرب العمق الإسرائيلى فى سيناء.
وقامت بضرب مخازن الأسلحة والذخيرة، ومكان تجمع القوات الإسرائيلية، وهذه العملية سميت بضربة مدكور أبو العز قائد القوات الجوية وقتها، ثم توالت العمليات منذ 67 حتى عام 70، وهذه الفترة التى استغاثت منها رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير، وطلبت من أمريكا التدخل لوقف إطلاق النار وعمل هدنة بسبب الخسائر التى تكبدتها فى هذه الفترة، وهذا يدل أن إسرائيل انتصرت انتصارا مؤقتا فى حرب الستة أيام، ولكن خسائرها كانت أكثر من مكاسبها فى حرب الاستنزاف.
ولا ننسى رجال الصاعقة البواسل ورجال الشهيد إبراهيم الرفاعى والمجموعة 39 قتال عندما أعلن الرئيس عبد الناصر أن العمق بالعمق، عقب ضرب إسرائيل لمدرسة بحر البقر قاموا بضرب مدينة إيلات بالصواريخ، بالإضافة إلى ثأرهم بعد استشهاد الفريق عبد المنعم رياض وإبادة الموقع الإسرائيلى بالكامل الذى ضرب منه فى منطقة لسان التمساح، وأيضا بدو سيناء الذين وقفوا مع رجال الصاعقة والاستطلاع لكى تكون سيناء مفتوحة أمامهم كالكتاب فى التخطيط للمعركة المنتظرة.
أما الموقف الذى لا أنساه ولا ينساه أبناء جيلى حتى الآن هو الموكب الحزين لجثمان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يوم 28 سبتمبر 1970، كنت سألقى بنفسى يومها من فوق سطح منزلى حزنا على الزعيم الذى كنا نستلهم منه الشجاعة والرجولة، كل شاب وطفل، وقتها كان عبد الناصر بالنسبة لنا رمزا وقدوة فى الجهاد والوطنية والكبرياء المصرى، بعد وفاة عبد الناصر شعرنا كأننا أيتام برغم أن والدتى ووالدى كانا على قيد الحياة.
*حرب أكتوبر كانت تتويجا لما تم فى حرب الاستنزاف كيف كان الاستعداد لهذه الحرب على المستوى الإستراتيجى والتعبوى؟
بدأت خطة الخداع الكبرى للرئيس الراحل السادات على المستوى السياسى بأن الفترة كانت تشهد ذبذبة فى الأوضاع، ولكن على مستوى القوات المسلحة تم رفع التدريب القتالى لكل أفرع وجهات الدولة، فتم إرسال بعثات إلى الخارج لفهم نوعية الأسلحة الجديدة وتطوير كامل فى المعدات والأسلحة، وقد عدت أنا وزملائى من الاتحاد السوفييتى عام 72 عقب طرد الرئيس السادات للخبراء الروس، وبدأنا فى تدريب كوادر جديدة لتعليم الجنود على الأسلحة الروسية التى دخلت الخدمة، وتم إلحاقى بإحدى ورش الأسلحة والذخيرة قسم الصواريخ، ثم قمت بالانضمام إلى إحدى الوحدات الرئيسية المضادة للدبابات المشتركة فى العمليات العسكرية استعدادا للمعركة الفاصلة.
*حانت ساعة الصفر، وبدأ العبور المجيد، صف لنا شعورك عندما بدأت المعركة وموقعك وقتها؟
ساعة الصفر لم يكن يعرف تاريخها إلا القادة، كل حسب رتبته ومستواه فى المعركة، كنت وقتها فى إحدى ورش التسليح فى الجيش الثانى، وأمر على جميع القوات الموجودة بالقرب من المواقع الأمامية للقتال لعمل صيانة لكل الأسلحة بطول الجبهة، والساعة 12 ظهرا جاء أمر بأن ننهى سريعا إصلاح المعدات والأسلحة الموجودة بالورشة، وسمعنا صوت أزيز الطائرات تخترق سيناء لأول مرة متوجهة للضفة الشرقية وسيناء، وبدأت ترتفع صيحات الجنود الله أكبر الله أكبر، وكنا وقتها فى ورشة الإسماعيلية، وكان هناك زلزال يحرك الأرض تحت أقدامنا، وبدأ الجنود فى العبور على الضفة الشرقية كالسيل العرم وسط الصيحات التى يشيب لها شعر المولود، عرفت وقتها أن مصر خرجت من صمتها وبدأت فى أخذ الثار.
أنا بدأت العبور يوم 8 بالليل مع الأرتال الإدارية للجيش الثانى الميدانى، ثم انضممت إلى إحدى وحدات الصواريخ بالمنطقة، وأصبحت مهندس الصواريخ المسئول عن كتائب فهد 35.
*الصاروخان ساجر ومالوتكا اللذان كانا السبب فى رعب الدبابات الإسرائيلية حدثنا عنهما؟
الصاروخ ساجر هو نفسه مالوتكا لكن الاسم بالعربى والروسى، وكان تسليح كتائب فهد 35، والذى ألحق بالعدو الإسرائيلى خسائر فادحة فى الدبابات، لأن الصاروخ بدبابة وطولة 86 سم، أقصى مدى له 3 كم، وأقصى زمن للإطلاق 26 ثانية، أما القوة التدميرية له رهيبة، لأنه يخترق جسم الدبابة ويحدث فيها انفجارا، وهو صاروخ من الجيل الأول يعتمد على العامل فى التوجيه ويتكون فريق العمل لنجاح دقة الصاروخ من التأمين الفنى والمدربين ثم عامل التوجيه ثم عربة التوجيه، فلو عطلت صمامات التوجيه ممكن يتوقف الصاروخ، فكل واحد فى هذه العملية جزء من الترس.
تمكنا من خلال وحدة الصواريخ بكتائب فهد 35 من تدمير حوالى 1500 دبابة خلال 3 أيام، وكان أشهر الرماة لكتيبة فهد 35 البطل عبد العاطى وإبراهيم عبد العال وجمال سليمان وغيرهم كثير من الأبطال تحت قيادة البطل اللواء عبد الجابر، وقد أطلقت عليهم إسرائيل «عفاريت عبد الجابر» لأنهم كانوا يخرجون من تحت الأرض لاصطياد دباباتهم.
حرب أكتوبر من أصعب الحروب الحديثة، ولكن كان هناك تناغم كبير بين الأسلحة، وهو ما كان سببا فى النصر.. كيف تم ذلك؟
مصر حاربت بسلاح قديم تم استخدامه فى الحرب العالمية الثانية، ولكن بفضل الله والعقول المصرية والجندى الذى كان مفتاح النصر تكاتف الكل، وتم القضاء على حوالى 35 نقطة حصينة على طول خط جبهة القتال وعبور الساتر الترابى بسلالم الحبال ونسفه بخراطيم المياه، بالرغم من أن كل الدراسات أكدت أنه يحتاج إلى قنابل ذرية لعبوره وقبلها ليلا قامت قوات الصاعقة البحرية بسد فتحات النابالم وتعطيل مواسيره التى كانت موضوعة تحت القناة، ولو استخدمتها إسرائيل كانت قامت بشوى الأسماك فى قاع القناة، وعبور 80 ألف جندى إلى الضفة الشرقية للقناة فى موجات عبور أذهلت العالم كله.
هذا التكاتف والتناغم كان السبب الرئيسى فى النصر بحرب أكتوبر واستعادة الأرض المقدسة، فالرئيس السادات كان يقول أعطونى قطعة من سيناء وسأتفاوض وأسترد الباقى، ولكننا أعطيناه معظمها والحمد لله.
*ما أشبه اليوم بالبارحة، كيف تقيم إعادة تسليح الجيش المصرى فى عهد الرئيس السيسى؟
الرئيس السيسى رجل شجاع ولديه قلب أسد فعلا، لأنه تحدى العالم، وأخرج مصر من عنق الزجاجة، فالقرارات التى اتخذها بتنويع مصادر السلاح كانت قرارات جريئة بعد أن ظللنا أعوام نتملك أحدث تسليح غربى بالرغم من امتلاكنا أسلحة متنوعة، ولكنها كانت قديمة، ولكننا الآن نمتلك أسلحة حديثة ومتطورة تناسب التسابق العصرى فى تكنولوجيا التسليح، وامتلاك الأسلحة فى زمننا هذا يعادل امتلاك الأكل والشرب، أى دولة لا يوجد بها سلاح ردع يتم القضاء عليها ويتبعثر أهلها ولدينا أمثلة كثيرة محيطة بنا.
بالإضافة إلى أن الرئيس السيسى وضع سياسة جديدة كانت شعار القوات المسلحة «يد تبنى ويد تحمل السلاح»، وهو الآن يعمل فى كل الاتجاهات، نحن فعلا فخورون بأن هذا الرئيس ينتمى للمؤسسة العسكرية.
أما فى الجانب العسكرى، فتمت الاستعانة بأحدث الأسلحة فى العالم والتدريب عليها مع الدول الشقيقة والصديقة بالتوازى مع محاربة الإرهاب فى سيناء، حتى أصبحت مصر دولة رائدة تسابق دول العالم فى عمل مناورات وتدريبات مشتركة معنا فى محاربة الإرهاب الذى اجتاح دول العالم.
نقلًا عن العدد الورقي…،