كلام ضروري عن يناير ويونيو!
لم يكن ممكنا تفادى خروج المصريين إلى الشوارع والميادين في يناير ٢٠١١ ويونيو ٢٠١٣.. فقد تراكمت أسباب وعوامل جعلت هذا الخروج لا مفر منه! ففى يناير ٢٠١١ كانت البلاد تعيش رغم الوضع الاقتصادى المستقر نسبيا حالة من القلق السياسى، لأن الرئيس مبارك وقتها كان قد تقدم به العمر وثارت شكوك حول قدرته على الترشح لفترة رئاسية جديدة، واقترنت هذه الشكوك برغبة لدى البعض لدعم ترشح ابنه جمال الذى كان يمسك وقتها بكل ملفات الدولة باستثناء ملف السياسة الخارجية وملف القوات المسلحة..
وهذا لم يكن يلقى ترحيبا شعبيا ورسميا أيضا من بعض مؤسسات الدولة.. وهذا القلق السياسي كان في ذات الوقت هناك من يعمل على نشره بين عموم المصريين، خاصة أبناء الطبقة المتوسطة، من الخارج والداخل معا.. من الخارج الأمريكان الذين تبنوا وقتها سياسة التغيير السياسى من الخارجي دول منطقتنا، وكانوا مهتمين وقتها بتغيير النظام المصرى.. ومن الداخل الإخوان الذين كانوا يرون إنهم البديل الأحق لمبارك في حكم البلاد.
غضب المصريين
أما فى يونيو ٢٠١٣ فقد وصل غضب المصريين من سيطرة الإخوان على الحكم إلى مدى كبير، بعد أن أفصح الإخوان عن نواياهم الحقيقية في أخونة الدولة المصرية بكل مؤسساتها، بما فيها المؤسسة العسكرية، وبدأوا يمارسون العنف ضد أبناء الشعب المصرى ويعاملونهم باعتبارهم رعايا عليهم الانصياع لهم.. وقد ساعد على إتساع وتضخم هذا الغضب الشعبي أن عموم المصريين أحسوا إن الإخوان خدعوهم وإنهم لا يبتغون سوى إحياء دولة الخلافة وأن تكون مصر إحدى ولاياتها.. وكان لإخفاق الإخوان السريع في إدارة شئون البلاد ذات الأثر أيضا، أى مضاعفة غضب المصريين منهم وتطلعهم للخلاص من حكمهم.
وفي كلا الحدثين.. يناير ٢٠١١، ويونيو ٢٠١٣ كان الجيش حاضرا وبقوة.. ففى يناير عندما نزلت قوات الجيش الشوارع حرصت على تفادى أي مواجهة مع المصريين الذين خرجوا للشوارع والميادين، بل إن القيادة العامة للجيش وقتها أعلنت أن من حق المصريين التظاهر والاحتجاج.. وعندما حاصر المتظاهرون القصر الرئاسى كانت التعليمات واضحة للحرس الجمهورى وهو عدم الإحتكاك معهم، بل إن قيادةَ الجيش وقتها رأت إن الحل هو إعلان مبارك تنحيه عن السلطة بالكامل لآن تفويضه سلطاته لنائبه عمر سليمان لم يكن كافيا لإنهاء حصار الاتحادية.. وبعدها قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يدير شئون البلاد في الفترة الانتقالية، رغم صعوبتها الشديدة.
أما في يونيو ٢٠١٣ فإن الجيش هو الذى رعى صياغة خارطة للمستقبل تلبية لدعوات المصريين له بالتدخل لكى يخلصهم من حكم الإخوان.. وهو أيضا الذى تابع تنفيذها حتى إنتهت المرحلة الانتقالية الثانية بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.. وهو كذلك الذى حمى البلاد من عنف الإخوان والتنظيمات الارهابية الأخرى بعد التخلص من حكم الإخوان، أو حكم المرشد كما كان يسميه المصريين وعن حق، ثم شارك في التنمية بعد ذلك.
وهذا الحضور القوى والواضح للجيش في يناير ويونيو كان له بالطبع تأثيره على مجريات وتطورات الأحداث في التاريخين والتداعيات التى جرت فيما بعد.. وهذا أمر لا يمكن لمن يتناول بالشرح والتحليل والتعقيب أحداث يناير وأحداث يونيو أن يتجاهله.. وهو أمر يُبين أهميةَ دور قواتنا المسلحة في ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا أيضا.