محاصرة السوق السوداء
أكبر تحدي يواجه البنك المركزي الآن ومعه الحكومة هو محاصرة السوق السوداء للعملة.. نعم هناك تحديات أخرى مثل تدبير الجهاز المصرفى النقد الأجنبي لتمويل الاحتياجات الأساسية، خاصة السلع الغذائية ومستلزمات الإنتاج وقطع الغيار، وتدبير أيضا النقد الأجنبى اللازم لسداد أعباء الديون الخارجية، لكن مواجهة تلك التحديات من شأنها محاصرة السوق السوداء للعملة، والتي تسمى بالسوق الموازية.. فعندما يصبح النظام المصرفي قادرا على تلبية الاحتياجات من النقد الأجنبي سوف تتقلص السوق السوداء للعملة وتتلاشى.
تخفيض الانفاق
وتلك هي المعضلة التي تواجه من يدبرون اقتصادنا القومى، وعلاجها يتحقق إما بزيادة مواردنا من النقد الأجنبي أو تخفيض إنفاقنا منه، والأفضل أن نمضي في المسارين معا.. وبالنسبة لزيادة مواردنا من النقد الأجنبي فإننا قد قطعنا شوطا في هذا الاتجاه حتى تمكنا العام الماضى من جمع نحو ٨٨ مليار دولار من مصادرنا المختلفة (صادرات، وتحويلات العاملين بالخارج وإيرادات السياحة وإيرادات قناة السويس والاستثمار الأجنبى المباشر)، وذلك بنسبة زيادة قدرها ٢٥ في المائة بالقياس للعام الذي قبله.. وتشير البيانات الأولية لهذا العام أن حصيلتنا من النقد الأجنبي سوف تتجاوز المائة مليار دولار، ولعل ذلك يفسر إعلان وزير المالية اتجاه الفجوة التمويلية للانخفاض مؤخرا.
لكن بقي علينا تخفيض انفاقنا من النقد الأجنبي، وذلك يتحقق بتخفيض وارداتنا من الخارج.. وهذا يقتضى أن يراجع من يديرون اقتصادنا تلك الواردات تفصيلا للوقوف على ما يمكن الاستغناء عنه الآن دون أن يلحق الضرر بالإنتاج، ويتم الاتفاق مع المستوردين لوقف استيراده لستة أشهر أو عام مثلا، وإذا تعذر ذلك الاتفاق تتخذ الحكومة القرارات اللازمة بهذا الشأن مستفيدة مما تتيحه لها منظمة التجارة الدولية، التي خرقتها أمريكا وأوربا بالعقوبات الاقتصادية التي فرضوها على روسيا خارج الأمم المتحدة، ومن قبلها على الصين.
هذا هو السبيل الأجدى لحصار السوق السوداء للعملة والإجهاز عليها حتى لا تتسع باتساع الفارق بين سعر الدولار في البنوك وسعره فيها كما يحدث الآن، دون توريط البنك المركزى في قرارات أو تصرفات استثنائية كما حدث من قبل.