سياسيون عن علاقة مصر بصندوق النقد الدولي: ضد مصلحة المواطن.. ويجب تغيير أوجه الإنفاق
(أداة للشيطان.. لا يمارس دوره الذى أسس من أجله.. كيان للهيمنة على الدول وفرض شروطه).. كل هذا وأكثر كانت آراء عدد من المتخصصين الذين تواصلت معهم “فيتو” لمعرفة رأيهم حول صندوق النقد الدولى، وعلاقته بمصر التى اقترضت منه خلال السنوات الماضية، ومدى جدوى هذا الاقتراض وتأثيره على أحوال المواطن العادية.
محاولات سابقة
وفى البداية يقول كمال أبو عيطة، وزير القوى العاملة الأسبق: إن علاقة مصر بصندوق النقد الدولى قديمة منذ انضمام مصر لعضوية الصندوق عام 1945، وكان أول اختبار حقيقى لتلك العلاقة فى الخمسينيات مع بدء محاولات الحصول على أول قرض للمساعدة فى تمويل بناء السد العالى، إلا أن تلك المحاولة باءت بالفشل، فدائما كانت تحول الاعتبارات السياسية والاجتماعية دون تنفيذ أي خطة تحمل مساعى حقيقية من أجل إتمام القرض.
وأضاف “أبو عيطة”، أن هذه العلاقة دومًا ضد مصلحة الوطن، فروشتات الصندوق لا تخدم إلا مصالح الصندوق والقوى المهيمنة عليه وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بصرف النظر عن مصالح الدول الأخرى، وفى فترات سابقة خاصة وقت الرئيس الأسبق مبارك، كان الصندوق يُملى قراراته، ونحن نسرع فى التنفيذ أحيانا ونؤجل أحيانا أخرى.
واستطرد وزير القوى العاملة الأسبق، لا بد أن نُدرك أنه ليس من مصلحة مصر الاستجابة لكل مطالب الصندوق، ولتكن لنا عبرة وعظة فى البلاد التى خربتها روشتاته، خاصة أن مصر لها وضع مختلف وهى أن الدولة متداخلة فى الإنتاج لحماية البسطاء، وأحيانا منتجة، ولا تكتفى بدور الدولة الحارس، وبالتالى محاولة تحويل دورها إلى بائع سيكون له آثار بالغة الخطورة.
وتابع بأن هناك نماذج أخرى، فكل الدول تأخذ قروضا لكن الاختلاف هو أوجه الصرف، ففى الستينيات كنا نحصل على القروض لبناء مصانع نسدد من فوائدها أقساط القرض، وهذا من شأنه ضمان عدم تراكم فوائد وأقساط الديون، أو تحميل الموازنة العامة أعباء جديدة لأن بناء مصانع من شأنه زيادة الإنتاج والتصدير، وإصلاح حال العملة.
موافقة حذرة
أما الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، فيوضح أن علاقة مصر بصندوق النقد الدولى مرت بمراحل متعددة تختلف كل منها عن الأخرى من خلال تباين الرؤى، ففى فترة حكم مبارك لم يكن هناك تشدد، ولكن كانت عملية الشد والجذب بين مصر والصندوق مستمرة، وكان لدينا مفاوضين جيدين وكان الوضع الاقتصادى جيدا، وفى عهد الرئيس السيسى لنا تجربتان الأولى كان القرض الأول وكانت المفاوضات بشكل جيد، فضلًا عن أن السياسة الحالية ليست سياسة إملاءات، وفى حالة وجود مغالاة فى الطرح فالدولة لن تقبلها.
وأضاف “فهمى” أن الفترة المقبلة تتطلب التجاوب الحذر مع مطالب صندوق النقد الدولى خاصة وهم يضعون برنامج لكل الدول، وهنا لا بد أن أشير إلى أن أي قرار من القيادة المصرية سيكون سياسيا وليس اقتصاديا فقط، سواء كان التجاوب مع مطالب الصندوق أو التشدد ضدها من خلال تصويب مسارات الاقتصاد المصرى، والموقف الآخر هو التوقف عن التعامل مع الصندوق حتى يتم طرح رؤية جيدة، وفى الحالتين فمصر تمتلك قرارها والشروط التعجيزية التى يضعها الصندوق لن تتم الموافقة عليها لأنها تعنى إعطاء صندوق النقد شيك على بياض.
ويرى فهمى، ضرورة قيام الدولة بمراجعة بعض سياسات القروض لأنها تمثل قلقا خاصة القروض المفتوحة، ومن ناحية وجود بدائل فالبدائل موجودة فنحن نحتاج إرادة اقتصادية تشجع الصناعة الوطنية، وتبنى مشروع نهضوى كبير وتنمية اقتصادية خاصة ونحن يتوافر لدينا الاستقرار المالى والأمنى، وما يتردد على لسان أعداء الوطن من أننا نعانى شبح الإفلاس فهذا الكلام هراء.
علاقة ندية
أما المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكى المصرى، فيرى أن علاقة مصر بصندوق النقد الدولى غير رشيدة، وغير مطمئنة، خاصة والصندوق مؤسسة بها عدة دول ومصر عضو بها، وبالتالى كان يجب أن تكون العلاقة ندية، لكن الواقع يقول إن الأمريكان بعد انهيار الاتحاد السوفييتى استخدموا الصندوق لمصالحهم من خلال فرض شروطهم على الدول، بدليل شروطها بشأن القرض الأخير لمصر ومحاولة التدخل فى الشأن الاجتماعى للدولة فيما يخص الدعم والضغوط لإكمال الخصخصة، وبالتالى صندوق النقد تحول إلى أداة للسيطرة، وهذا الأمر ليس قاصرًا على مصر، وإنما كل الدول التى لديها مشكلات مادية.
ويؤكد "شعبان" أن الحل الوحيد هو إعادة ضبط الاقتصاد المصرى، بحيث يتم تجاوز الدعم المالى المشروط من صندوق النقد الدولى، وهنا لا بد أن نحوّل الاقتصاد من القروض إلى الإنتاج وهذا ما نجحت فيه ماليزيا وهذا يتطلب عقد مؤتمر وطنى يضم كل الخبراء ورجال الأعمال لإيجاد مخرج للاقتصاد بعيدًا عن القروض من خلال تحويل الاقتصاد إلى منتج يعتمد على ذاته ويتحرر من تبعية صندوق النقد الدولى بإيقاف الاقتراض.
نقلًا عن العدد الورقي…