الرحمن فاسأل به خبيرا (2)
يلزم طالب طريق الله تعالى شيخا مربيا يقوده بهدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله. يعلمه أصول دينه وما تصح به عباداته وما تصح به معاملاته ويبصره بآفات نفسه ويعينه على الشفاء منها وتزكية نفسه والتخلص من أمراضها وعللها الباطنة فيها والتي منها.. الرياء والكبر والحسد والبخل والشح والحرص والأنانية والعجب وحب الشهوات وغلبة هوى النفس وغيرها من الأمراض الباطنة.. وأن يدعو له بظهر الغيب ويتابع أحواله ويوجهه ويرشده ويأخذ بيده ويؤهله للدخول على الحضرة المحمدية.
ويجب على المريد محبة شيخه وطاعته والولاء له والأدب معه وتقديمه على من سواه وأن يؤثر مراده على مراده. ويجب عليه السمع والطاعة ما دام لم يأمره بمعصية أو مخالفة للشرع الحنيف، حيث إن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل.. ويجب عليه أن يوقره ويجله وأن ينظر إليه بعين الكمال.
وأن يصحبه بالحب والأدب. وقيل إن الحب والأدب موصلان للمريد بلا تعب.
هذا ويجب أن يكون الشيخ المربي من أهل التقوى والصلاح وأن يكون على علم وبصيرة وأن يكون وارثا محمديا معه إذن بالتربية من شيخ معتبر آخذ من شيخ عن شيخ حتى يصل نسبه الروحي إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله أو أن يكون مأذونا بالتربية من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله مباشرة.. هذا وللشيخ المربي ثلاثة أركان وهي: أن يدل على الله تعالى بأقواله وأحواله وأعماله.
الشيخ المربي
وفي تعريف الشيخ المربي يقول سيدي أحمد بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه: (شيخك هو الذي ينهض بك حاله ويدلك على الله تعالى بمقاله). وللشيخ المربي أربع فرائض وهي: أن يكن عالما بالشريعة أى بكتاب الله تعالى أي عالما بالآيات المحكمة والمتشابهة والناسخة والمنسوخة. وما أحل الله تعالى منها وأمر به. وما حرم الله تعالى منها ونهى عنه. بالإضافة إلى معرفته بأحكامه وحدوده. وأن يكون ملما بالسنة النبوية المطهرة. بوجوهها الثلاثة (السنة القولية. والفعلية والتقريرية)..أي ما قاله أو فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله. أو ما فعله صحابي وأقره صلى الله عليه وسلم وعلى آله..
وأن يكون من أهل الفهم والاستنباط. وأن يكون قد سلك الطريق أي قطع أوصاف النفس السبعة وارتقى من وصف إلى وصف وهي: الأمارة واللوامة والملهمة والمطمئنة والراضية والمرضية والكاملة وهي التى تمنح إذن الدخول في النسبة والانتساب لله تعالى بصفة العبودية. وأن يكون عالما عارفا بدروب النفس ومعارج الروح وأن يكون صاحب بصيرة على نور وبينة من ربه عز وجل يعلم آفات النفس وأمراض القلب الباطنة ويعلم الدواء لكل داء فهو بمثابة طبيب للأنفس والقلوب..
وأن يكون عالما بالعقبات التي تعترض المريد أثناء سلوكه وأن يكون عارفا بالله من أهل الحقيقة وعارفا بعلم الطبائع حتى يعطى للمريد ما يناسب طبعه من الأسماء التي يسلك بها المريد الطريق. وأن يكون خبيرا بكل ما يتعلق بسلوك طريق الله تعالى وهو المشار إليه بقوله تعالى: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا).
هذا ولا بد أن يتصف الشيخ باثنتي عشرة صفة وهي العلم الرباني وأن يكون من أهل السر يرى بنور الله ويستر على المريد ويطبب آفات نفس المريد بحكمة. ثم يتصف بالشفقة والرحمة والصدق والتصديق والزهد والشجاعة والعفة والكرم والعلم والعمل. وقد ندر وجوده في هذا الزمان فإن قدر الله تعالى لأحدكم الخير وجمعه سبحانه على مثل هذا الشيخ فليكن له خادما طائعا صادقا في محبته وأن يعمل على فناء وجودك معه ويسلم له في نفسه وقلبه وروحه ما دام بهذه الصفات التي ذكرناها.. وإلى لقاء آخر مع سلسلة (الرَّحْمَٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)..