رئيس التحرير
عصام كامل

الرحمن فاسأل به خبيرا

عزيزي القارئ ممن يتطلعون إلى سلوك طريق الله تعالى لتزكية أنفسهم وتطهير قلوبهم من العلائق والأغيار والوصول إلى مقام الإحسان وهو عبادة الله تعالى عبادة أهل الشهود والمراقبة، يقول صلى الله عليه وسلم وعلى آله في تعريف مقام الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. وإلى المتطلعين إلى المعرفة بالله عز وجل والمقام في حضرة القرب منه تعالى، أقدم إليكم خلاصة خبرتي بعد أن أمضيت قرابة الخمسين عاما في دربي في طريق الله تعالى منها أكثر من أربعين عاما شيخا مربيا للمريدين وطلاب الله تعالى والآخرة مأذونا من أحد أكابر أهل الولاية.. 

ونظرا لندرة شيوخ التربية الكمل من الورثة المحمديين أصحاب النور وأهل البصيرة في هذا الزمان، أقدم هذه السلسة من المقالات  تحت عنوان (الرحمن فاسأل به خبيرا) حتى تكون بمثابة منارة لمن أراد أن يتقرب إلي الله تعالى ويسلك طريقه. وسوف أتناول كل ما يتعلق بسلوك طريق الله تعالى بدء بتعريف الطريق إلى الله تعالى وما يجب على المريد في سيره إلى الله، وما هي العقبات التي ستعترضه وكيف التخلص منها وتجاوزها وكيف يزكي نفسه حتى يرتقي بها إلى النفس المطمئنة الراضية المرضية، الممنوحة من الله عز وجل الإذن بالدخول في العباد الذين نسبهم جل جلاله إليه المشار إلى أنفسهم بقوله تعالى(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي). وصولا إلى مقام المريد السالك فيما يسمى بمقام الفناء.. 

الطريق إلى الله

بداية: اعلم أيها المريد أن الطريق إلى الله تعالى هو الطريق المستقيم. الذين ندعوا الله تعالى في كل صلاة أن يهدينا إياه حيث نقول (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهو طريق الذين أنعم الله عليهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. وهو السبيل الموصل إلى رضوان الله تعالى وجنته. والطريق هو التخلي والتحلي والتجلي.. 

التخلي عن أوصاف النفس الأمارة بالسوء على أثر مجاهدة النفس ومخالفة هواها وجمح لجام شهواتها.. والتحلي بالأخلاق والمكارم والفضائل والمحاسن والقيم الإنسانية النبيلة.. ثم يأتي على أثرهما. التجلي من الله عز وجل بالإفاضات الإلهية من الأنوار والعلوم والمعارف والأسرار.. 

هذا وللطريق إلى الله تعالى ثلاث أسس يقام عليها وهي: الحب والصدق والإخلاص.. أما الحب فهو الأصل في العلاقة بين العبد وربه تعالى وهو الأصل في إتباع هدى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله. لقوله عز وجل: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).. هذا عن الأساس الأول في سلوك طريق الله تعالى. وأما عن الأساس الثاني وهو الصدق. ومعناه الصدق في محبة الله تعالى ويتجلى ذلك من خلال طاعته عز وجل والإلتزام بما جاء في شريعته الغراء. 

ويبدأ الصدق. بصدق النية في التوجه إلى الله تعالى وطلبه سبحانه. ثم الصدق في الأقوال والأفعال والأحوال حتى يصل المريد إلى أن يصدق في محبته لله تعالى. هذا ومحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله ومحبة أهل بيته مرتبطة بمحبة الله تعالى ولا إنفصام بينهما. 

 

أما عن الأساس الثالث وهو الإخلاص ومعناه التنزيه في الإقبال على الله تعالى بإخلاص القصد والوجهة له سبحانه دون تطلع للأجر والثواب ودون رؤية النفس في الأعمال.. ولقد أمرنا سبحانه وتعالى بذلك حيث قال: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) وقوله عز وجل ( أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ). والإخلاص منحة إلهية وعطاء رباني وهو سر الله الذي يضعه سبحانه في قلب من يشاء من عباده ومن أحب لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده كما أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله.. عزيزي القارئ نستكمل الحديث في مقال تالي بمشيئة الله تعالى..

الجريدة الرسمية