المتسامح أكثر سعادة
نعم.. فليمارس الجميع حريته دون أن يتعدى على حرية الآخر؛ فالله تعالى يرضى عن المتسامح ويغفر له لقاء تجاوزه عن إساءة أخيه رغبة في إقامة مجتمع متحاب متماسك، يقول تعالى "وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ"، كما أن الشخص المتسامح دائم الشعور بالسعادة وأكثر قدرة على العطاء والإنتاج؛ ذلك أنه غير مشغول إلا بعمله ولا يضيع وقته في تتبع أخطاء الناس وزلاتهم وعيوبهم.
التسامح ينشر المحبة بين الناس كما قال رب العزة سبحانه" وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ" (فصلت:34). وفي التسامح سعة قلب ورحابة أفق وإحسان للنفس وللغير وطريق ميسور لامتلاك قلوبهم.. كما يقول الشاعر: أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم.. فطالما استعبد الإحسان إنسانًا.
العفو والتسامح
أما الأعظم منزلة فهو من يعفو عمن أساء إليه ويصل من قطعه، وهو ما يعزز قيم التعايش بين أفراد المجتمع ويصون الحريات العامة فينعم الجميع بحياة كريمة وأمن وأمان وحرية تعبير وممارسة طقوس ومعتقدات دون تعدٍ أو مضايقة أو تحقير ممن يختلف عنهم في اللون أو العرق أو الديانة أو الثقافة.. كما أن للتسامح آثارًا نفسية وصحية على الجميع؛ فسليم الصدر مرتاح نفسيًا، لا يحمل غلًا ولا حقدًا لأحد في قلبه.
علميًا أثبتت دراسة أن غير المتسامحين يزداد توترهم ويرتفع ضغطهم مقارنة مع أقرانهم الذين يتمتعون بتسامح يصنع مجتمعًا متآلفًا لا وجود للفتن والضغينة بين أفراده، وتقل فيه المشكلات الاجتماعية وتغلَّب المصالح العامة على الخاصة وتنحسر الأنانية فلا ينكفيء الفرد على ذاته بل ينفتح على الآخرين ويبحث عن استقرار مجتمعه وأمانه.
ولنا في رسول الله أسوة حسنة؛ ذلك أنه أرسى قواعد التسامح في مجتمع المدينة حين هاجر إليها؛ فآخى بين المهاجرين والأنصار وترك للجميع وفيهم اليهود والنصارى حق ممارسة ديانتهم دون إكراه بل إنه ضرب المثل في العفو عند المقدرة؛ ذلك أنه حين منَّ الله عليه بفتح مكة ودخلها منتصرًا في جيش عظيم عفا عمن ظلمه من أهلها ومن أمعن في إيذائه وإخراجه منها على غير رغبته.. وقال لهم قولته المشهورة" اذهبوا فأنتم الطلقاء" ودعا لهم بالهداية.