رئيس التحرير
عصام كامل

عندما تغيب ثقافة التسامح!

غياب التسامح هو كلمة السر فيما يجري من صراعات وحروب وهو ما يستتبعه غياب العدالة والمساواة حتى في علاقات الدول بعضها ببعض، فالقوي يستأسد على الضعيف وهو ما يعني حاجة الإنسانية لإحياء قيم التسامح والمساواة وترسيخ ثقافة قبول الآخر وتعميم مبدأ وحدة المصير الإنساني بعد أن صار العالم قرية كونية يتأثر بعضها ببعض في التو واللحظة كما حدث في أزمة كورونا والحرب الأوكرانية وحتى فيما فعلته أمريكا من رفع متتالٍ لأسعار الفائدة في بنوكها.

التسامح هو التأكيد على احترام الآخرين وحقهم في عيش كريم آمن يعتقدون ما يشاءون والنظر إليهم بعين الاعتبار بصرف النظر عن اختلافهم في اللون واللغة والمعتقد والرأي وتفاوتهم حتى في الغنى والفقر.. فمن حق الجميع أن يعيشوا حياة كريمة تخلو من أي منغصات.

قيمة التسامح 

ما أحوج البشرية اليوم لنشر التسامح، وجعله ثقافة تؤمن بها الشعوب وهو ما يستلزم جهدًا دءوبًا تضطلع به مؤسسات الفكر والضمير وبناء الإنسان، بدءًا بالأسرة مرورًا بالمدرسة والجامعة ودور العبادة وعلماء الدين والاجتماع والنفس ومؤسسات الثقافة والشباب والإعلام والمجتمع المدنى بشتى أطيافه ومكوناته.

كل هؤلاء يملكون القدرة على التأثير في العقل والوجدان، ومن واجبهم بل مهمتهم الأساسية تشكيل الضمير والأفكار وتحصين الإنسان ضد أفكار التطرف والكراهية التي تسعى لإقصاء الآخر واحتقاره وازدرائه وتسفيه أفكاره وتجريده من أبسط حقوقه كإنسان كرمه الله ومنحه الحرية حتى في اعتقاد ما يشاء لكنها حرية المكلف الذي سيحاسب على ما اقترفت يداه.. كما يتناقض مع المبادئ العالمية التي تؤسس لمجتمعات متجانسة متآلفة تتعاون فيما بينها على الخير والإحسان وتحاشي الشر والإضرار.

تحقيق مثل هذه المبادئ أمر عظيم الأثر، خطير الأهمية لو تعلمون.. فغياب التسامح معناه التعصب والتناحر والقتال والدمار ولهذا أعظم الله قيمة العفو وجعله أقرب للتقوى يقول تعالى: " وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ".. 

والعفو هو خطوة لازمة لتحقيق التسامح مع الغير إذا أساءوا إليك، وهو ما يحتاج لقوة نفسية تكبح جماح الغضب وتهذب النفس المندفعة بشهوة الإساءة؛ والتسامح الفكري أعظم شأنًا؛ ذلك أنه يعنى قبول الآخر المختلف عنا في التفكير والرأي وحتى في المعتقد، وهو ما يفضي لتحقيق العدالة في أبهى صورها؛ فالقيم الخلقية طبقات بعضها فوق بعض: "وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ".. فهل هناك ما هو أعظم من تحقيق العدالة مع الآخر؟

الجريدة الرسمية