أمينة السعيد.. المتحررة التي هاجمتها منابر المساجد.. والجماعات الإسلامية أباحت دمها
كانت نموذجًا للعمل الدائم فقد رفعت شعار أن العمل الدائم هو أساس الحياة ورغم كونها صعيدية إلا أن اجتهادها وتربيتها على يد أب يعمل طبيبًا مشهورًا ساعدها على أن تلتحق بكلية الآداب في أول دفعة نسائية لتصبح أول فتاة تتخرج وتعمل صحفية دون أن تكون هي صاحبة المجلة أو الجريدة في وجود أديبات كاتبات كبار كن أصحاب صحف مثل ملك حفنى ومي زيادة ومنيرة ثابت وفاطمة اليوسف، هي الصحفية والكاتبة أمينة السعيد التي رحلت في مثل هذا اليوم 13 أغسطس 1995.
ولدت أمينة السعيد عام 1914 والتحقت بكلية الآداب في وقت كان خروج الفتاة وتعليمها عيبًا وتخرجت من قسم اللغة الإنجليزية عام 1935، ومن زملاء دفعتها الدكتور رشاد رشدي، المذيع محمد فتحى ـ كروان الإذاعة ـ الكاتب لويس عوض ومصطفى أمين الذى أخذ بيدها وهى طالبة وقدمها إلى محمد التابعي لتنشر موضوعاتها الاجتماعية في مجلة آخر ساعة تحت اسم مستعار، كما عاونها محمد فتحي في العمل مترجمة في الإذاعة لإجادتها الإنجليزية، أيضًا تعرفت أمينة السعيد على الرائدة النسائية هدى شعراوى مما كان له تأثير كبير على شخصيتها فتعلمت منها الإيمان بقضية المرأة والمحافظة على المكاسب التي حققتها.
صحفية باجر ثابت
فور تخرجها عام 1935 عملت أمينة السعيد بدار الهلال كأول صحفية تعمل بأجر ثابت، وتزوجت من الدكتور على زين العابدين الأستاذ بكلية الزراعة، حررت في مجلة المصور باب بعنوان (اسألوني) يرد على رسائل القراء استمرت تكتبه حتى رحيلها بعد أن أمضت 60 عامًا في بلاط صاحبة الجلالة.
في عام 1954 اختارها صاحب الهلال أميل زيدان رئيسة تحرير أول مجلة نسائية في مصر "حواء" ثم عملت رئيسا لتحرير المصور بعد رحيل الكاتب فكرى أباظة ثم رئاسة مجلس إدارة دار الهلال، كما انتخبت عضو مجلس نقابة الصحفيين ووكيلة للمجلس كأول سيدة تتولى هذا المنصب، كما عينت بمجلس الشورى دورتين متتاليتين، كما تولت منصب سكرتير عام الاتحاد النسائى الذى أنشأته هدى شعراوى.
لاعبة التنس
كانت أمينة السعيد أول من شجع الطالبات في المدرسة والجامعة على ممارسة الرياضة وبدأت هي تمارس رياضة التنس وهى ترتدى الشورت، وكانت محبة لحضور الندوات الثقافية حتى إنها حضرت ندوة لمناقشة مسرحية أمير الشعراء أحمد شوقى "مجنون ليلى" فخرجت الأصوات المعارضة للمرأة تقول "وداعا للحياء" لأن فتاة جامعية شاركت في الحديث عن مجنون ليلى.
كانت نصيرة المرأة في كتاباتها فكان صوتها عاليا ضد المتطرفين والمتشددين، فطالبت بحرية المرأة وحقها في الانتخاب وتعديل قانون الأحوال الشخصية فتعرضت للهجوم والتهكم من الجماعات الإسلامية الى حد وصل إلى التهديد بالقتل وخطف ابناءها مما زادها إصرارا على مواقفها.
منح وأوسمة
كرمها الرئيس جمال عبد الناصر بمنحها وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى عام 1963 ووسام الجمهورية عام 1970، وكان آخر تكريم لها يوم الصحفى عام 1981 قبل وفاة السادات بأيام.
وتحكى أمينة السعيد عن بداياتها وتقول: كنت في السابعة عشرة من عمرى عندما دخلت كلية الآداب جامعة فؤاد الأول، وكان والدى على غير المألوف من أهل جيله رجلا تقدميا بكل ما فى هذه الكلمة من معان كريمة فاضلة، تمتعنا في صغرنا بكثير من الحريات التي لم يكن يستمتع بها البنات إذ ذاك، وكان طبيعيًّا أن أمضى حياتى الجامعية على ما اعتدت من تحرر عظيم غير مبالية بتقاليد العهد الصارمة، فلم ألبث مثلا أن اشتريت مضربًا للتنس ومارست به رياضتى الحبيبة، وتدرجت في ذلك إلى الشيش فكنت أول مصرية تمسك السيف بيدها فتعرضت للهجوم الشديد.
سب واتهامات
اتهمت منابر المساجد، الكاتبة الصحفية أمينة السعيد بالكفر والخروج على الدين، وقد تمادى الشيخ عبد الحميد كشك في الهجوم عليها والطعن في عرضها بحجة أنها تطالب بأن تتزوج المرأة أربعة رجال ــــ وكانت شائعة أطلقت عليها وليس لها وقع من الحقيقة بعد انتقدت تعدد الزوجات بغير استطاعة.
ردت على الهجوم عليها بأن وجهت للرئيس السادات خلال لقائه بالصحفيين سؤالا يقول: أي خلق وأي شرع وأي دين وأي دولة تسمح باستخدام منابر المساجد للطعن في عرض امرأة مثلي لها خمسة أحفاد ويقولون للمصلين إن أمينة السعيد تطالب بأن تتزوج المرأة أربعة رجال.. أربعة كأنما لا يكفي عذاب للمرأة أن تتحمل رجلا واحدا.
كلمات الوداع
كانت آخر كلمات الصحفية أمينة السعيد قبل الرحيل بأيام في المصور (أن أكبر عقاب نجازى به على سعادتنا الحاضرة، أن يمتد العمر بمثيلاتي إلى ما بعد خمسين سنة، وأصبح من العجائز الفانيات، هياكل بشرية محطمة، تعزيها ذكرى قديمة لمجد زائل، ومكانة انتزعتها مجاهدات جديدات، لقد أفنيت عمري كله من أجل المرأة، أما الآن فقد هدني المرض وتنازلت النساء عن الكثير من حقوقهن وصارت المرأة المصرية ضعيفة ولن ينقذها من ضعفها إلا النضال والعمل).