نحن وتايوان.. والله حزين!
لا يعرف أحد بعد حدود رد الفعل الصيني على الإهانة الأمريكية العلنية للدولة والسيادة الصينية، بعد أن أتمت العنيدة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي زيارتها إلى تايوان وهبطت طائرتها بسلام في مطار تايبيه، دون أن تعترضها المقاتلات الصينية كما هدد الجيش الصيني مرات محذرا.
وتحتفظ الصين بتوقيت الرد وزمانه، ونحمد الله أن المواجهة لم تقع والإ وقعنا بأكثر مما نحن في القاع كدول تصدع اقتصادها ويترنح بسبب الصراع العالمى تقوده أمريكا في أوكرانيا تستنزف روسيا بلا هوادة.
من متابعة مستمرة للشأن التايواني، برزت بيانات وأرقام عن تايوان جعلت قلب المرء يتحسر بمرارة على حالنا نحن كشعب. وكدولة، ولا بأس أن نعرف أحوال غيرنا لكى ننتقل من ركن البائس اليائس إلى رحاب المتحمس الناهض، ننفض عنا غبار الغباء. عدد سكان مصر يتجاوز المائة مليون، صادراتنا رقم مخجل مخز محزن.. إنه ٤٦مليار دولار.
تايوان جزيرة قريبة من البر الصيني الرئيسي، الوطن الأم، يفصلها عنه مضيق تايوان، جزء من بحر الصين الجنوبي، المسافة بين الأم والابنة المارقة مائة ميل، حوالي ١٦٠ كيلومترا، يعيش على الجزيرة ٢٣ مليونا و٨٥٥ ألفا، بإحصاء يناير ٢٠٢١. هذا العدد من السكان يبيع للعالم منتجات أغلبها منتجات إلكترونية ومعلوماتية تقدر ب٦٦٨مليار دولار سنويا، واخيبتاه يا مصريين واخيبتاه!
الشرائح الإلكترونية
تنتج هذه الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي، رغم اعتراف العالم إنها أرض صينية، بل لا توجد علاقات دبلوماسية بينها وبين أمريكا في الأساس، تنتج أخطر مادة تكنولوجية هي أشباه الموصلات semi -conductors، ونسبة انتاجها ٦٠٪ من الإنتاج العالمي والاسم الشائع لها حاليا الشرائح الإلكترونية. الصين ذاتها لا تنتج أكثر من ٥٪ من إنتاج الشرائح في العالم، لكن علينا أن نعرف أن الرمال التى تنتج منها الرقائق هي صادرات صينية لتايوان!
بدون رقائق إلكترونية يصعب الحصول على صاروخ موجه، طائرات مسيرة، موبايلات، سيارات كهربائية، كمبيوترات، أو تعمل بالكمبيوتر.. هذه هي تايوان التى تتكالب عليها أمريكا وتهيمن عليها وتطلق عليها مظلة حمايتها، بل تهدد بالدفاع عنها لو قامت الصين بغزوها، رغم إقرار واشنطن بأنه لا صين إلا صينا واحدة، ولا تعترف باستقلال تايوان.
حسنا دعهم في صراعهم، لكن دعنا نتأمل حالنا المخجل، إن ٢٣مليون مواطن على جزيرة يقدمون للعالم منتجات إلكترونية ضمن صادرات أخري، يحققون بها عائدا إجماليا يتجاوز ال٦٦٨ مليار دولارا، بينما نحن مشتبكون في القاع، نناقش قضايا تافهة، ونتبادل الفضائح ونتبارى في سرعة النشر، ونتسابق في تبادل الآيات القرآنية ولا نعمل بها، لكن التبادل لا يمنع من فضح الأسرار وكشف العورات، وهكذا انصرفنا نخوض فينا ولا نعمل.
هذه المصيبة اسمها وتوصيفها كما قالها الفاروق عمر بن الخطاب: إذا أراد الله سوءا بقوم منحهم الجدل ومنعهم العمل. التوصيف يعنى سقوط الناس في الفتنة، وتكاثر الرويبضات، إن الله يريد بنا سوءا وإلا فلماذا منحنا الجدل ومنعنا العمل؟! بل نحارب من يعمل ونعلو بمن يسفل بنا، بل نقصى الشرفاء، الكرام المهرة، ونقرب الأفاقين وبائعي الأوطان، لكي يواصلوا تجريف الوعي، وخلق دوائر رغي وغيبوبة يومية، خلق مناطق جدال تصرف الشعب عن العمل، ليظل يتسول من بنوك العالم!
عيب علينا، فلنعمل، لنرتقى، لا لنقترض. الحكومة جزء من المشكلة، لكننا نحن الشعب كل المشكلة. فلنواجه أنفسنا، نحن نعرفها كل المعرفة وكفى هروبا من الذات.