حكايات البابا شنودة والرؤساء.. الصدام مع السادات.. هدوء أيام مبارك.. وصلاة من أجل المشير
تحيي الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، اليوم الأربعاء، ذكرى ميلاد الراحل قداسة البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ١١٧ للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
وولد البابا شنودة الثالث في ٣ أغسطس من عام ١٩٢٣، في قرية سلام بمحافظة أسيوط في صعيد مصر.
ظل قداسة البابا شنودة، على سدة الكرسي المرقسي أكثر من ٤٠ عاما، شهد خلالها العديد من رؤساء مصر.
العلاقة بين البابا شنودة الثالث ورؤساء مصر، لم تكن متشابهة، بل تباينت في أغلب فتراتها، فعلاقتة بالرئيس السادات كانت الأكثر توترا، في حين أن فترة مبارك كانت الأكثر تحفظا، وهادئة نوعا ما.
البابا شنودة الثالث، انتخب بطريركا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في 1971، عقب وفاة البابا كيرلس السادس، وتزامنت هذه الفترة مع بداية حكم الرئيس السادات.
ولم يلبث طويلا على كرسي مارمرقس، حتى شهدت منطقة الخانكة حادثا طائفيا في نوفمبر عام 1972، أضرم فيه متشددون النيران في الكنيسة ومنازل ومحال الأقباط، وهو ما دفع الكهنة للمرة الأولى للخروج فى مسيرة والإصرار على الصلاة في ظل أنقاض الاعتداء، ما سبب انزعاجا للرئيس - آنذاك.
وبعد فترة قليلة زار الرئيس السادات الكاتدرائية - بالعباسية، وظل يوما كاملا مع البابا شنودة يتحدثان سويا ما خفف من حدة التوجس الذي استحوذ على السادات إزاء إيفاد البابا عددا من الأساقفة للصلاة على أنقاض حريق كنيسة الخانكة في ظل التهاب المنطقة.
ولم يمض كثيـر، حتى ظهر الصدع بينهما بشكل واضح، عقب دعوة الولايات المتحدة الأمريكية للبابا شنودة الثالث، للمرة الأولى بشكل رسمي يدعى بطريرك الأقباط الأرثوذكس، والتي جاءت عقب زيارة السادات لأمريكا بقرابة الشهر، عام 1977، وكان هناك استقبال البابا حافلا.
شمل جدول الزيارة لقاء البابا المتنيح شنودة الثالث بالرئيس الأمريكي جيمي كارتر الرئيس الأمريكي وقتها، ولإحساس البابا بأمر يثير الريب وحتى لايفهم زيارته بشكل خاطئ، اصطحب السفير أشرف غربال، سفير مصر في واشنطن آنذاك، لزيارة البيت الأبيض ليكون مطلعا على الحوار.
وتحدث الرئيس الأمريكي مع البابا حال لقائهما عن الكنيسة القبطية وتاريخها وآثارها، وفى المؤتمر الصحفي الذي أعقب اللقاء، قال "كارتر" إنه يعرف أن عدد الأقباط في مصر بلغ 7 ملايين - وهذا هو الرقم الصحيح لتعداد الأقباط في مصر الصادر عن الكنيسة - بينما كان التعداد وفقا لإحصائيات الدولة كان مليونين وثلث المليون نسمة.
وحاول الرئيس الأمريكي استدراج الكنيسة ممثلة في البابا بسؤاله عن رأيه في موضوع القدس، فكان رد "شنودة": إن اليهود ليسوا شعب الله المختار في الوقت الحاضر، وإلا ماذا نسمي الكنيسة المسيحية؟ فإذا كنا نعتقد أنهم شعب الله المختار فمعنى ذلك أننا - المسيحيين - لسنا مختارين من الله بالمرة، أما عن المشاكل السياسية فنحن نتحدث عن المبادئ العامة الأساسية الخاصة بالمشكلة، أما التفاصيل فهي متروكة لرجال السياسة، وإنما السادات لم ينظر لتفاصيل الزيارة، وكان غاضبا من سمة الاتصال بين الإدارة الأمريكية وقيادة الكنيسة القبطية من الأساس.
اعتزم الرئيس إجراء معاهدة السلام مع إسرائيل، وطلب من البابا شنودة أن يسمح للمصريين المسيحيين بالذهاب إلى القدس للحج هناك، وكذلك أن يرافقه رحلة المعاهدة فكان رد البابا شنودة قاسيا بقوله إن المسيحيين لن يدخلوا القدس إلا مع إخوانهم المسلمين عقب تحرير القدس، وتعاطي مع الأمر بحدة شديدة، حيث أعلن في الجلسة الافتتاحية بمجلس الشعب إجراء الاتفاقية، وكذلك اعتقال عدد كبير من السياسيين ورجال الدين.
كما أصدر في ذات التاريخ سبتمبر 1981، قرارا بالتحفظ على البابا في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، وإلغاء قرار تعيينه، وتشكيل لجنة لإدارة الكنيسة، وسط تصفيق من مجلس الشعب آنذاك؛ ما كان جرحا غائرا في قلوب الأقباط إزاء احتجاز رأس الكنيسة ولاسيما بأنه البابا الثائر والثابت على القرار، وخلال احتفالات 6 أكتوبر ذات العام، قامت الجماعة الإسلامية التي أطلق سراحهم السادات باغتياله.
وتولى حسني مبارك مقاليد الرئاسة في 14 أكتوبر 1981 خلفا للراحل أنور السادات، وقام بإجراء عدد من الزيارات الخارجية، قام البابا شنودة بإيفاد بعض الأساقفة لأبناء الكنيسة من المتواجدين بالمهجر لتهدئة الأجواء وضرورة الترحيب بالرئيس حفاظا على صورة مصر، وكان هناك عدة محاولات لإلغاء تحديد إقامة البابا شنودة الثالث، إلى أن قام مبارك في 3 يناير 1985 بإصدار قرار جمهوري نصه أنه "بعد الاطلاع على الدستور، وعلى قرار رئيس الجمهورية رقم 2782 لسنة 1971 بتعيين بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وعلى قرار رئيس الجمهورية رقم 491 لسنة 1981 بإلغاء قرار رئيس الجمهورية السابق ذكره.. يعاد تعيين الأنبا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية".
وبدا واضحا أن "مبارك" يتجنب مسلك الصدام، ومع الأقباط على وجه الخصوص بعدما شهدته السنوات الأخيرة من عهد الرئيس السادات، وتعامل نظام مبارك مع الكنيسة بصورة مؤسسية.
اما علاقة البابا شنودة بالمجلس العسكرى، فسادها الود وتبادل الزيارات، خاصة أنه ابن من أبناء القوات المسلحة فهو خدم بالجيش المصري ومنذ تولى المشير حسين طنطاوى قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 11 فبراير من العام 2011، أمر البابا بأن يصلى من أجل أن يوفق المجلس العسكري في قيادته لشؤون البلاد.
وأصدر البابا أمرا بالصلاة من أجل المجلس العسكرى عقب توليه قيادة شؤون البلاد، ومن أجل أن يعطيهم الله الحكمة والإرشاد فى إدارة شؤون البلاد وكان قد اتصل البابا بالمشير حسين طنطاوى ليبارك له مسؤوليته الجديدة هو وأعضاء المجلس العسكري.