الوحدة الكنسية من منظور قبطى أرثوذكسى (1)
يدعى البعض من الناس أن الوحدة الكنسية بين الكنيسة الأم والطوائف المنشقة عنها من الممكن أن تتم بمجرد الرغبة فى الوحدة، أو بعمل اللقاءات المشتركة أو الأنشطة المتنوعة، وقبول كل طرف لمعتقدات الطرف الآخر، والاشتراك فى الأسرار الكنسية دون الدراسة لعلاج الخلافات التى تسببت فى انقسام الكنيسة وانشقاق الطوائف عنها، وذلك للرجوع إلى وحدة الإيمان. لذلك أردنا أن نتكلم فى موضوعنا هذا عن الوحدة الكنسية من منظور قبطى أرثوذكس.
يتهم بعض الناس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالتعصب وعدم رغبتها فى إتمام الوحدة الكنسية!
للإجابة على هذا الكلام العجيب نقول: فى الحقيقة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، كنيسة متمسكة بإيمانها وعقائدها التي تسلمتها منذ واحد وعشرين قرنًا من الزمان تقريبًا، وليست متعصبة، فنحن نرفض بشدة اتهام كنيستنا بالتعصب، لأنها صفة بغيضة، بل نتمسك بأنها كنيسة متمسكة بإيمانها، وعقائدها المسلمة لها والمعاشة لدى تابعيها إكليروسًا وشعبًا، ومن أجلها تحملت الآلامات والاضطهادات وقدمت من أجلها آلاف وملايين الشهداء، والتاريخ خير شاهد على ذلك.
بالتالى نقول ونشهد أمام الله، بأن كنيستنا هى التى سعت إلى الوحدة الكنسية، وذلك بعدة أدلة:
قام مثلث الرحمات طيب الذكر قداسة البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية والكرازة المرقسية يوم 10 مايو من عام 1973م بزيارة إلى دولة الفاتيكان بعد فراق دام خمسة عشر قرنا من الزمان، منذ الانقسام الذى حدث فى القرن الخامس الميلادى عام 451 م، وفيه إلتقى قداسته مع قداسة البابا يوحنا بولس السادس بابا روما، ووقع كلاهما على بيان تاريخي لبدء الحوار بين الكنيستين، وبالفعل تم هذا.
بدأ الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية وكنائس الروم الأرثوذكس وبقية كنائس الطوائف، وهناك بعض نقاط الإختلاف تم الاتفاق فيها، مثل طبيعة السيد المسيح له المجد مع الكنيسة الكاثوليكية، وكنائس الروم الأرثوذكس.
وبالرغم من وجود الحوار مع كنائس الطوائف إلا أن قيادة كنيستنا، لاحظت مهاجمة عقائد كنيستنا بأساليب وطرق عديدة من قادة وخدام تلك الكنائس، واقتناص بعض أفراد الرعية بأساليب وطرق غير مشروعة!
متطلبات الوحدة الكنسية
ومن الملاحظ أنه في التوقيت الذي كانت فيه بعض الكنائس توقع اتفاقا مع كنيستنا لحل مشكلة عقائدية معينة، نجدها كانت تتفق مع كنيسة أخرى على نفس العقيدة، ولكن بالوضع الخاطئ، الذى تسبب فى انقسام الكنيسة، ولم تسفر هذه الحوارات طوال الأربعين عامًا، سوى إلى اتفاقيات قليلة جدًا! وكل هذه أدلة تثبت أن كنيستنا ومجمعها المقدس بقيادة قداسة البابا شنودة الثالث، هى التى سعت من أجل وحدة الكنيسة طوال هذه المدة، وليس العكس.. وبالتالى ليست كنيستنا وقيادتها، هى العائق فى طريق الوحدة الكنسية، كما يدعى البعض كذبًا لتزييف الحقائق ومهاجمة كنيستنا، وقداسة البابا المتنيح الأنبا شنودة الثالث وفترة حبريته المباركة.
هناك متطلبات هامة لتتميم الوحدة الكنسية الحقيقية، لا الوحدة المظهرية وفى مقدمة هذه المتطلبات:
1- تشكيل لجنة متخصصة في العلوم الكنسية من كنيستنا، والكنيسة الأخرى التى ندخل في حوار معها لعلاج المشاكل المختلف فيها وحولها.
2- الاتفاق على جدول أعمال محدد الموضوعات التى يتم مناقشتها بين الكنيستين، وذلك طبقًا لإيمان الكنيسة قبل الانقسام وبعده في موعد أو توقيت محدد، ومكان مُعلن ومعروف للطرفين.
3- يجب الإقرار بعد الدراسة، والاتفاق بين الطرفين على إيمان الكنيسة الصحيح السابق، وما جدُ عليه من تعاليم وعقائد خاطئة، وذلك للتوصل لصيغة إيمانية، وتصحح التعاليم والعقائد الخاطئة، التي كانت لدى الكنيسة الفلانية.
4- بلا شك وحدة الكنيسة يريدها الرب يسوع ويأمر بها الجميع، إلا أن الشيطان والأهداف البشرية الخاطئة تقف عائقًا بالمرصاد أمام إتمام هذه الوحدة، لذلك يجب التحلى بالإيمان مع الصلاة والصوم والدراسة والتأنى في اتخاذ القرار، وذلك للوصول إلى صيغة دقيقة توافقية، تصحح العقائد الخاطئة لدى الطرف المخطئ، ويُعلن هذا لدى مرجعية كل كنيسة وشعبها أيضًا.
5- لا يفوتنا أن نشير إلى جانب مهم في متطلبات تتميم الوحدة، ألا وهو التطبيق العملى لما تم التوصل إليه وذلك على مستوى الإكليروس والشعب، مثال: انبثاق الروح القدس من الآب فقط بدلًا من الآب والابن. وصحة الكهنوت للرجال فقط دون النساء، وبوضع يد خلافة رسولية، والإقرار بالزواج الشرعى بين رجل وامرأة، كما شرعه الله، ويتم على أيدى كهنوت شرعى، وصلاة ليتورجية بدلًا من زواج الشواذ المثليين الذى لم يشرعه الكتاب المقدس ولا قوانين الكنيسة، ولا القوانين الوضعية فى السابق، وذلك للحفاظ على النسل البشرى، والأسرة المسيحية كما رسم لها الله القدوس..
ولا يفوتنا أن نشير إلى الإقرار بالكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد بما فيه الأسفار المحذوفة والمكانة الواحدة للعهدين، بدلًا من التقليل من مكانة العهد القديم عن العهد الجديد وحذف بعض أسفار العهد القديم.
أما عن الجوانب المسموح بها، وغير المسموح بها أيضًا في اللقاءات من أجل الوحدة الكنسية فهذا ما سنتحدث عنه لاحقا في المقال القادم.