ثورة يوليو.. أمجاد وإخفاقات!
وستبقى ثورة يوليو التي نحتفل بمرور 70 عامًا عليها واحدة من أعظم ثورات العصر؛ إذا نحن قسناها بحجم التغيرات الجذرية في المجتمع المصري وصولًا للمجتمع العربي والإفريقي وانتهاءً بأمريكا اللاتينية والهند وغيرهما من البقاع المتعطشة للتحرر الوطني والتي استلهمت أفكار عبد الناصر ودعوته للحرية والاستقلال والخلاص من نير الاستعمار الأجنبي الباطش الذي لم يكن واردًا في مخططاته أن يتخلى عن تلك الأرض لأصحابها لولا قيام ثورة يوليو التي أشعلت النار وزلزلت الأرض تحت أقدام المحتلين.
لثورة يوليو أمجاد وإنجازات يستحيل طمسها أو إخفاء معالمها، وسوف تبقى دواءً لكثير من أدوائنا.. ولها في المقابل إخفاقات وأخطاء شأنها شأن أي عمل بشري لا يصح إنكارها.. لكن لا يصح أيضًا أن يتخذها البعض ذريعة للنيل منها وإهالة التراب عليها وتجريدها من كل حسناتها بمناسبة وبغير مناسبة فهذا ظلم فادح لا ينال من ثورة يوليو بقدر ما ينال من مصر ذاتها باعتبارها الأم الحقيقية.
رعاية الدولة للثقافة
وحتى يكون الحكم على عبدالناصر وثورته عادلًا ومنصفًا فلابد أن ينهض على أسس تقييم موضوعي دقيق وأمين لنحو 18عامًا من عمر مصر وأمتها العربية.. وليس من الحق أن يدعي البعض أن ازدهار الثقافة والفنون في عهد عبد الناصر إنما يرجع لرعاية الدولة لها حتى تكون لسان حال المشروع القومي والثوري؛ فالضباط الأحرار كانت لهم علاقات وثيقة بالثقافة؛ فمنهم من وقع في حبها قبل الثورة، ومنهم من امتهن الكتابة والإبداع؛ فعبد الناصر نفسه كانت له محاولات للكتابة في المسرح والرواية، وله قصة بعنوان في سبيل الحرية بدأها وهو لا يزال طالبًا في الثانوية، وتناول فيها معركة رشيد، ثم كتب فلسفة الثورة، ويوميات عن حرب فلسطين ولا ننسى ما قاله عبد الناصر حين سئل بعد قيام الثورة عن المفكرين الذين أسهموا في تكوين أفكاره فاستشهد برواية عودة الروح لتوفيق الحكيم.
أما جمال حماد الذي كتب بيان ثورة يوليو فقد كان صاحب قلم متميز ترك وراءه مؤلفات قيمة، وله أيضًا فيلم قوي ومشهور وهو شروق وغروب.. كما أن السادات الذي قرأ بيان الثورة كان محبًا للثقافة والفكر حتى أنه قبل الثورة عمل بالصحافة حين فصل من الجيش، وحين أصدر عبدالناصر جريدة الجمهورية كان السادات مديرها وترك وراءه كتاب البحث عن الذات..
أما يوسف صديق أحد أهم أسباب نجاح ثورة يوليو فكان شاعرًا مجيدًا، كما أن ثروت عكاشة أشهر وزراء الثقافة في العهد الناصري فقد ألّف ترجمات لأعمال جبران خليل جبران فضلًا عن مؤلفاته عن عصر النهضة في أوروبا في موسوعته المشهورة العين تسمع والأذن ترى.. وكان سامي شرف ذا قلم متميز وكتابه المشهور أيام وسنوات مع عبدالناصر.. كما كان لأحمد حمروش الذي تولى شأن الفنون والمسرح كتابان هما: حرب العصابات وخواطر عن الحرب وقد أهدى الأول للمناضلين في أوطانهم عام 1947، والآخر لزملائه تحت تراب فلسطين.