يوسف ندا وحكايةَ المصالحة !
ليست هى المرة الاولى التى يطالب بها الإخوان بالحوار مع الحكم في مصر لإنهاء أزمة الإخوان وإتمام مصالحة معه.. سبق له أن طالب بذلك المرة الاولى قبل بضعة سنوات ومع بداية الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السيسى عام ٢٠١٨، عندما أعلن أنهم يقبلون بالحوار مع الحكم في مصر بدون شروط، لكنه في ذات الوقت طالب بإصدار قانون العدالة الانتقالية للافراج عن قادة وكوادر الجماعة..
وكان ذلك مفاجئا لآن الإخوان ظلوا يرفضون أى حوار مع الحكم في البلاد سواء في الفترة الانتقالية التى رأس فيها المستشار عدلى منصور رئاسة الجمهورية أو بعد أن إنتخب الرئيس السيسى، وطالبوا وقتها باستعادة الحكم وعودة مرسى إلى منصبه.. وحتى عندما عرض عليهم المشاركة في حكومة الدكتور حازم الببلاوى بثلاثة وزراء رفض قادتهم ذلك رغم موافقة بعض مفاوضيهم وقتها، مثلما رفضوا من قبل المشاركة في اجتماع الثالث من يوليو.
حوار غير مشروط
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط وإنما إدعى يوسف ندا حدوث اتصالات له مع ممثلين للحكم وأنه عرض عليه القدوم إلى مصر لإجراء الحوار الذى دعا له، وعندما رفض خوفا من إلقاء القبض عليه عرض عليه التواصل مع السفير المصرى!
أما المرة الثانية التى أعلن فيها يوسف ندا قبول الإخوان للحوار غير المشروط كما وصفه مع الحكم في مصر فقد كانت منذ بضعة أشهر وتحديدا بعد إعلان الاستراتيجية القومية لحقوق الإنسان، لكنه في ذات الوقت طالب بالافراج عن قادة وكوادر الجماعة لتهيأة الجو المناسب لهذا الحوار..
وها هى الآن بعد أن أطلق الرئيس السيسى دعوة لحوار وطنى تأتى الدعوة الثالثة ليوسف ندا لحوار الإخوان مع الحكم في البلاد والذى وصفها بأنها غير مشروطة، وإن كان قد طالب كما حدث في المرتين السابقتين بما أسماه رفع المظالم بالإفراج عن قادة وكوادر الإخوان.
والملفت للإنتباه أولا أن هذه الدعوة يتبناها واحد من القيادات المهمة للجماعة والتنظيم الدولى للإخوان، فهو الرجل الذى كان مفوضا لفترة طويلة عن الشئون والعلاقات الخارجية والدولية للجماعة وكان المشرف أيضا على إدارة أموالها وأموال التنظيم الدولى.. وهنا نستنتج أن هذه الدعوة ليست عابرة أو شخصية وإنما تعبر عن اتجاه داخل الجماعة، خاصة وأن علاقة يوسف ندا بإبراهيم منير القائم بأعمال مرشد الجماعة قوية.. بل لعل دعوة يؤسف ندا تلقى ترحيبا من حلفاء الإخوان، فقد سبقها بأيام إعلان أيمن نور ترحيبه بالحوار مع الحكم في البلاد مؤكدا إنهم أهل حوار.
والملفت للانتباه ثانيا أن الجبهة الأخرى داخل الجماعة التى تصارع إبراهيم منير، وهى جبهة محمود حسين لم يصدر عنها مؤخرا ما يفيد رفضها لفكرة الحوار مع الحكم في البلاد، وربما يكون السكوت هنا علامة للرضا والقبول.
أما الملفت للإتباه ثالثا أن الإخوان سارعوا بقبول الحوار رغم إنه لم يوجه لهم أحدا دعوة بذلك لآن جماعتهم تصنف الآن جماعة إرهابية تورطت في ممارسة العنف وأيدى العديد من قادتها وكوادرها ملطخة بدماء المصريين، وهو ما يفيد إحساسهم باليأس في حدوث تغير سياسى داخل البلاد راهنوا عليه لسنوات ليتخلصوا من أزمتهم فأمسكوا مثل الغريق بقشة الحوار، والتى كانت على مدى تسعة عقود مضت هى آلية النجاة لهم سواء في الأربعينات أو السبعينات من القرن الماضى، بل والتى أتاحت لهم العودة مجددا للنشاط وبخطى أوسع مكنتهم في نهاية المطاف من الوصول إلى الحكم.. ولعل هذا يظل درسا لا ننساه حتى نمكنهم من رقبتنا مجددا.